تؤكّد الجزائر على موقفها الثابت والراسخ في مسألة دعم القضية الفلسطينية، لتحقيق الوحدة وتجسيد الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، على الأرض، وتجسيد العضوية الكاملة لدولة فلسطين بالأمم المتحدة.
تهيب القوى الفلسطينية بالدور الفعّال والمحوري للجزائر في حلحلة الملف الفلسطيني، ودعم القضية في هذا الظرف الحاسم الذي أكّد فيه الرئيس تبون مضيّ الجزائر المستمر لتجسيد مخرجات “إعلان الجزائر”، ودعم القضية الفلسطينية للخروج من وضع الضعف والانفصام، إلى الوحدة والانسجام، ومجابهة المحتل الصهيوني بأدوات وآليات أقوى وأكبر، لدحر الاحتلال وتحقيق حرية وعزّة الشعب الفلسطيني الشقيق.
أفاد مدير مكتب يبوس للاستشارات والدراسات الإستراتيجية، سليمان بشارات، في تصريح لـ “الشعب” أنّ الرئيس تبون في تصريحاته يؤكّد على أن القضية الفلسطينية كانت وستبقى المرتكز الأساس لحالة الاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط، وبالتالي عدم القبول بتهميشها بأي ظرف كان، وهذا الأمر يتطلّب ضرورة توحيد الصف الفلسطيني من خلال المصالحة التي استضافتها الجزائر والجهود التي تبذلها بشكل مستمر في هذا الإطار، من خلال الوقوف على مسافة واحدة من جميع الأطراف الفلسطينية، وأن الجزائر ستظل إلى جانب القضية الفلسطينية في كل الظروف، وستبقى أولوية بالنسبة للدبلوماسية السياسية الجزائرية.
مواقف الجزائر مكاسب لفلسطين..
باعتقادي – يقول بشارات – هذه التصريحات تأتي أهميتها بالتوقيت الحساس الذي تمر به القضية الفلسطينية سواء من خلال الممارسات التي ينفّذها الاحتلال بحق المسجد الأقصى والفلسطينيين، وكذلك الحال في ظل انشغال إقليمي ودولي بقضايا سياسية أخرى، وكأنّ الرئيس الجزائري الآن يعيد البوصلة من جديد للاهتمام بالقضية الفلسطينية، وتعزيز حضورها السياسي على المستوى الداخلي الفلسطيني، وعلى المستوى الدولي، عبر الجهود التي تبذلها الجزائر في هذا الإطار.
ما يمكن أن نقرأه أيضا في هذا الإطار – يواصل بشارات – أنّ الجهد الجزائري تجاه القضية الفلسطينية سيبقى مستمرا، ولن ينقطع مع مرور الوقت، لأنّ هذا الموقف هو ضمن الثوابت السياسية للجزائر، وهذا بحد ذاته يعتبر مكسبا مهما للقضية الفلسطينية، ويبقيها قضية حيّة في عمقها العربي والإسلامي.
متمسّكون بالمبادرة الجزائريّة
أمّا ممثّل حركة المقاومة الإسلامية “حماس” بالجزائر، محمد عثمان، فيقول: “نحن في حركة حماس نثمّن عاليا ما جاء في تصريحات الرّئيس تبون حول الوقوف إلى جانب الحقوق الفلسطينية، وتأكيده على حرص الجزائر على تكريس الوحدة الفلسطينية بين الفصائل بهدف إعادة الاعتبار والفاعلية لنضالها من أجل تحصيل حقوق شعبنا الفلسطيني، وهذا يأتي منسجما مع الجهود العملية التي تبذلها القيادة الجزائرية من خلال الحوارات السياسية مع الفصائل والتي توجت “بإعلان الجزائر”، واستكملت لاحقا بمبادرة استعداد الجزائر لاستضافة انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني بعد إجراء انتخابات تتيح انضمام حركة حماس الى منظمة التحرير الفلسطينية.
وأفاد محمد عثمان في السياق قائلا: “نحن نؤكّد ترحيبنا بهذه المبادرة العملية والخطوة المهمة لتجسيد إعلان الجزائر على الأرض، ونؤكّد حرصنا وتمسّكنا باستكمال هذا الجهد الجزائري المقدّر حتى تنفيذ جميع البنود التي تضمّنها “إعلان الجزائر” خلال الإطار الزمني الموضوع له”، ودعا جميع الفصائل الموقّعة على الاتفاق إلى التجاوب مع المبادرة الجزائرية الأخيرة، وإبداء المرونة المطلوبة لإنجاحها.
“إعلان الجزائر” هو الحلّ..
من جانبه، أضاف ممثل الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بالجزائر، محمد حمامي، أن الجزائر تحتضن قضية فلسطين، وأن فلسطين هي ضمير الشعب الجزائري كما عبر عنها الرئيس الراحل هواري بومدين في كلمته الشهيرة “مع فلسطين ظالمة أو مظلومة”.
وقال حمامي، إنّ الجزائر هي أول من احتضن مكتب منظمة التحرير الفلسطينية على أراضيها عام 1965، ليكون نافذة على العالم للتعريف بالقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني، ولاسيما حقه في دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة بعاصمتها القدس، إلى جانب توفير كل أشكال الدعم المادي والمعنوي في الدراسة والتدريب والتمويل. بل لم تكتف الجزائر بذلك، ولكنها واصلت طريقها في دعم فلسطين، حيث وصفهما البعض أنّهما “رصاصتان في بندقية واحدة”، فهي من أقرّت في قمتها العربية عام 1973 أنّ منظمة التحرير الفلسطينية، هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وتجدّدت الحال عام 1988 في إعلان وثيقة الاستقلال.
وذكر محدّثنا أنّ الجزائر عبّدت الطريق نحو فلسطين بخطوات توحيد الصف، والذي توّج بـ “إعلان الجزائر” للم الشمل في 13 أكتوبر 2022، بمشاركة 14 فصيلاً، وحملت الجزائر القضية الفلسطينية إلى القمة العربية في نوفمبر 2022، ودعمتها في حركة عدم الانحياز ومنظمة المؤتمر الإسلامي والأمم المتحدة، وتواصل حراكها الدولي لنيل فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، والتي أكّد عليها الرئيس عبد المجيد تبون في لقائه الأخير مع قناة “الجزيرة”، حين قال إنّ “استقرار العالم ككل، والشرق الأوسط خصوصاً، مرهون بإيجاد حل دائم ومتوازن للقضية الفلسطينية”.
ومن اللاّفت أيضاً – استطرد محدّثنا – أن مبادرة الجبهة الديمقراطية لإنهاء الانقسام كانت في صلب إعلان الجزائر للم الشمل، وفي خضم اللقاءات بين قيادة الجبهة الديمقراطية والأشقاء الجزائريين، والتي شكّلت أساساً في بنودها والتي رأت قيادة “الديمقراطية” أنّ الأشقاء الجزائريين لديهم رغبة في تقريب وجهات النظر بين الأشقاء، لذلك، أمام المقاربات الجزائرية الفلسطينية، وفي ظل ما تتعرّض له القضية الفلسطينية من هجمة شرسة من الحكومة الفاشية الصهيونية، بات مطلوباً من الفلسطينيين تنفيذ “إعلان الجزائر”، كون الوحدة هي إحدى السبل إلى جانب المقاومة بكل أشكالها، لإنهاء الاحتلال وإنجاز الحقوق الوطنية الفلسطينية وفق قرارات الشرعية الدولية.
عرفاننا للجهد الجزائري النّبيل..
وقال رمزي رباح، عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، إن الجبهة الديمقراطية تنظر بكل تقدير وعرفان للجهود المتواصلة للجزائر الشقيقة، لتحقيق المصالحة الفلسطينية في دعمها العميق والحريص على حقوق الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير المصير، وإقامة دولته المستقلة ذات السيادة الكاملة على جميع أراضيه المحتلة عام 1967، وحق اللاجئين في العودة الى ديارهم. هذه الحقوق التي أكد عليها الرئيس تبون وعمل جاهدا على حمايتها وتكريسها في مخرجات القمة العربية بالجزائر، ومن خلال الإصرار الراسخ للقيادة الجزائرية على مساعدة الفلسطينيين بكل فصائلهم وقواهم على استعادة الوحدة الوطنية التي تضم جميع المكونات الفلسطينية، التي سبق وأن اجتمعت على أرض الجزائر، ووقّعت على وثيقة هامة لاستعادة الوحدة، وفق آليات واضحة تقوم على إجراء انتخابات ديمقراطية لمؤسسات منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية بمشاركة الجميع، وعلى أساس ثوابت الحقوق الفلسطينية، وتأكيد الرئيس تبون على استمرار الجهد الجزائري لاستكمال هذا الحوار الوطني الشامل ووضع آليات تفصيلية، وجدول زمني يتم الاتفاق عليه بين جميع الفصائل الفلسطينية للوصول الى هذا الهدف.
وحسب رباح، فإنّه وبالرعاية الجزائرية القومية والأخوية، سيبقى هذا الهدف والإصرار على النهوض به، مبعث عرفان وامتنان من شعبنا الفلسطيني وفصائله ومن الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين على وجه الخصوص، لهذا الدور والجهد النبيل القومي للجزائر، بهدف استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية كشرط حاسم للانتصار في معركتنا الوطنية ضد الاحتلال، ومن أجل التحرر الوطني وتحقيق استقلال دولة فلسطين وعاصمتها الأبدية القدس العربية. كلّنا أمل وثقة وتجاوب مع دعوة الجزائر الشقيقة لاستكمال الحوار الوطني الشامل لاستعادة الوحدة الوطنية.
«إعلان الجزائر”..عنوان الإجماع..
في ذات السياق، قال خالد البطش، عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي، إنّ الجزائر كانت من أوائل الدول التي أرسلت السلاح والمال للمقاتلين الفلسطينيين، وأرسلت خيرة أبنائها للقتال ضد العدو الصهيوني في ساحات المواجهة في لبنان وحروب التحرير العربية في العام 1967 وحرب أكتوبر عام 1973، تواصل دورها اليوم من موقع الالتزام والغيرة على القضية الوطنية الفلسطينية، ومن هنا استضافت حوارات المصالحة الأخيرة من أجل رأب الصّدع الوطني واستعادة الوحدة، وتعزيز قوة الشّعب الفلسطيني بوحدته الوطنية، واستضافت بعدها عددا من قادة المقاومة “قائد حركة حماس المجاهد إسماعيل هنية في خطوة لا يقوم بها إلا القادة الكبار، الذين يملكون الجرأة على الانحياز لمشروع التحرير ومواجهة المشروع الغربي في المنطقة”.
وكانت الجزائر حاضنة أمينة لاستضافة ثورة شعبنا بعد الخروج من بيروت في العام 1982، يقول محدّثنا، ويواصل قائلا إنّها “احتضنت المقاتلين حيث لم يشعر الفلسطيني في الجزائر بغربة أو بتضييق، وقد واصلت القيادة والشعب الجزائري دوره الإيجابي الذي نتمنى أن يتواصل ويرتقي أكثر فأكثر، وصولا إلى فك الحصار الظالم عن غزة، وتقديم الدعم المطلوب لفصائل المقاومة التي تقاتل المحتل الصّهيوني لاسيما حركة الجهاد الإسلامي وذراعها العسكري سرايا القدس، ومعها كافة الأذرع العسكرية التي تقاتل الاحتلال وصولا لتحقيق حلم العودة والتحرير، وإقامة دولتنا على كامل التراب الوطني الفلسطيني من النهر الى البحر، فالمعركة مع الاحتلال مستمرّة وزوال دولة الكيان صار أمرا أقرب ممّا كنّا نتصوّر، فحصول الشّعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة صار أمرا ممكنا إن توفّر الدّعم العربي والإسلامي.
ومن هنا يضيف البطش، تبرز أهمية اتفاق الجزائر بين الأطراف الفلسطينية لتحقيق الوحدة وإنهاء الانقسام، حيث لعبت الجزائر دورا كبيرا في الوصول لصيغة اتفاق اجمع عليه كل الأطراف الفلسطينية، ونحن في حركة الجهاد الإسلامي نتطلع الى تعزيز العلاقات مع الجزائر شعبا وقيادة، ونشد على يد الرئيس تبون في جهوده المباركة في إنهاء الانقسام، لاسيما في هذه اللحظة الفارقة حيث يتعرض فيها المسجد الأقصى الى مؤامرة التهويد والتقسيم الزماني مع اليهود كي يصبح مكانا مستباحا لصلاتهم المزعومة، وعليه نجدد ترحيبنا واستعدادنا للمساهمة في إنجاح الجهود الجزائرية التي يقوم بها الرئيس تبون لتوحيد الشعب الفلسطيني، وثانيا في استعادة وحدة الموقف العربي بما يضمن حماية مصالحة الأمة الإسلامية جمعاء، لاسيما وأن الجزائر مؤهّلة لمواقفها التاريخية للعب هذا الدور الكبير بين مكوّنات الأمّة.