ظل نظام المخزن حجر عثرة في وجه إنجاز مشروع التكامل المغاربي باختلاقه، في كل مرة، لذرائع من شأنها تفريق الرؤى وهدم المساعي الموحدة لشعوب المنطقة المغاربية. وقد ازداد هذا التعنت بعد إدخال المخزن لحليفه الجديد المتمثل في الكيان الصهيوني إلى الإقليم المغاربي، صاداً بذلك كل أبواب التقارب المحتمل.
يوضح الدكتور حمزة حسام، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، لـ “الشعب”، أن هناك خلفية يجب أن ننطلق منها لمعرفة سبب تعطيل المخزن لمشروع اتحاد المغرب العربي، وهي مسألة غير مرتبطة بتاتا بقضية الصحراء الغربية.
ففي سنة 1989 اتفق الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد والعاهل المغربي الراحل الحسن الثاني، على استكمال مسار التكامل المغاربي بصفة طبيعية، على أن تبقى قضية الصحراء الغربية قضية أممية تعكف على حلها منظمة الأمم المتحدة وفق لوائحها. غير أن المغرب، عاد للتذرع بذات القضية فيما بعد، ليعطل بذلك مشروع اتحاد المغرب العربي.
ويردف ذات المتحدث، أنه في تجارب التكامل، لابد من توفر عنصر مهم جداً، وهو التوافق السياسي الذي يتحقق من خلال توقف الدول عن مسارات العداوة فيما بينها، والتأسيس لسلوكات سياسية جديدة، ليس فيها ما يهدد مصالح بعضها البعض، مثلما حدث مع فرنسا وألمانيا في تجربة الاتحاد الأوروبي.
لكن الحاصل في حالة مشروع اتحاد المغرب العربي، أن هذا لم يكن، بحيث سجل نوعا من الخداع وعدم الوفاء بالالتزامات من طرف نظام المخزن، وذلك عبر تهديداته المباشرة لكل من الجزائر وموريتانيا، النابعة من عقيدته التوسعية، فهو نظام لا يعترف بالحدود الموروثة، وتلك المرسّمة من طرف الأمم المتحدة، وقد أثبتت ذلك العديد من الوقائع والشواهد التاريخية، مثلما حصل خلال حرب الرمال سنة 1963 وحادثة “أمكالة” سنة 1976، فيما أظهر جلياً التحالف الأخير الذي تم بينه وبين الكيان الصهيوني، النية المغربية المبيتة تجاه الجزائر.
المخزن يختار الصهاينة بدل الاتحاد!
ويضيف حمزة حسام قائلاً: “نحن هنا أمام خطوات من شأنها أن تهدد مباشرة أمن دولة جارة يفترض أنها تنخرط مع المغرب في تجربة التكامل المغاربي، وعليه يستحيل في ظل تواصل هذه السلوكات أن نؤسس لتجربة الاتحاد.
تجدر الإشارة إلى أن مسألة التحالف المغربي الصهيوني بعد التطبيع، جانب مهمل في التحليلات التي تقدم لفهم سبب توقف مسار اتحاد المغرب العربي، فعادة ما تكون التفسيرات المقدمة متصلة بالطابع القانوني والتقني أو الاقتصادي، وهي الجوانب ذاتها التي يتم التركيز عليها عند تقديم مقترحات الحلول، غير أنها تبقى حلولا سطحية، في ظل إهمال الجانب الاستراتيجي المؤسس لعلاقات التعاون قبل التطرق إلى مسائل التكامل”.
من جانبه، يؤكد الدكتور عبد الرحمن بن شريط، أستاذ الفلسفة السياسية بجامعة الجلفة، في تصريح لـ “الشعب”، أن المغرب يتحمل مسؤولية كبيرة في فشل مشروع اتحاد المغرب العربي وباقي المشاريع الإقليمية؛ ذلك لأن طبيعة المنظومة السياسية في المغرب تتعارض مع روح المشروع الذي يستدعي نسبة عالية من الانسجام والتفاهم والتضحية من أجل التكامل المحكوم بكثير من المناهي الدبلوماسية الراقية، والتي تفتقر لها المملكة المغربية، بل والتي تتبنى ذهنية منافية لها، يجسدها دستورها المكرس للعقيدة التوسعية وذلك بحديثه عن ما يسمى بـ«الحدود الحقة”، وهي عقيدة متجذرة في نظام المخزن، وقد عبر عنها في عديد المناسبات، حيث أبان عن رغبته ونيته في التوسع على حساب الأراضي الموريتانية والجزائرية.
هذه الرغبة ذاتها التي استند عليها في تنفيذ مشروعه التوسعي بشكل سافر ضد الصحراء الغربية باعتدائه على أراضيها، باسم ما أطلق عليه “المسيرة الخضراء” التي لم تكن خضراء البتة، بشهادة بعض النزهاء المغاربة –يؤكد ذات المتحدث- الذين أكدوا أن تلك المسيرة كانت تسخيراً قسرياً وقهرياً للشعب المغربي الذي دُفع إليها دفعاً تعسفياً.
ويوضح الدكتور بن شريط، أنه مع مرور السنوات، ازدادت المملكة المغربية عدوانية في محيطها القريب ومع جيرانها، وبالأخص مع الجزائر في المدة الأخيرة، بعدما تم تحقيق تقارب مع الكيان الصهيوني انتهى بالتطبيع، مما يدل على أن نظام المخزن لا يفكر، ولم يفكر تاريخياً في وحدة مغاربية.
في المقابل، عملت الجزائر رفقة تونس مطولاً، رغم العراقيل المغربية، من أجل تحقيق الحلم المغاربي وتجسيد مشروع الوحدة الاقتصادية والثقافية والإستراتيجية. لكن المخزن الذي كان يعمل في الخفاء، خرج اليوم إلى العلن في مساعيه الرامية إلى تهديم ما تبقى من فكرة المغرب العربي، من خلال إدخال الكيان الصهيوني إلى الإقليم المغاربي، وبعدها التجسس على الدول وكذا استعمال الوسائل غير الأخلاقية في شراء الذمم في أوروبا، وبهذا يبقى اتحاد المغرب العربي حلماً لا يمكن تجسيده بفعل ممارسات المخزن المشتتة والمهدمة للوحدة المغاربية والعربية والإسلامية، وانتقالها بعدها إلى محاولة ضرب تكتل الاتحاد الإفريقي، بمحاولة إقحام حليفه الصهيوني الجديد داخل الاتحاد، لولا تدخل الجزائر وجنوب إفريقيا لطرده.