لطالما تميزت الدبلوماسية الجزائرية بثوابت ثلاث قلما اجتمعت في دولة واحدة، وهي الثبات، الاستمرارية والاستقلالية المطلقة في اتخاذ القرار.
عملت الجزائر منذ استقلالها على بناء علاقات متوازنة مع أقطاب النظام الدولي سواء الاتحاد الأوروبي، روسيا، الصين والولايات المتحدة الأمريكية، مع دعمها الدائم لحركات التحرر وتقرير مصير الشعوب المستعمرة لاسيما قضية الصحراء الغربية والتي تعد آخر مستعمرة في إفريقيا.
تشهد العلاقات الجزائرية الأمريكية مزيدا من الزخم خلال الفترة الأخيرة لاسيما بعد زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى الجزائر خلال مارس من العام الماضي، ذكَّر حينها بالتاريخ الطويل للعلاقات الجزائرية ـ الأمريكية خاصة معاهدة السلام والصداقة لعام 1795 واستضافة الجزائر لمفاوضات إطلاق سراح الرهائن الأمريكيين من طهران في عام 1981.
وشهدت العلاقات الجزائرية ـ الأمريكية خلال شهر فيفري الحالي مزيدا من الزخم، لاسيما بعد تصريحات إليزابيت مور أوبين سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية بالجزائر، وتأكيدها على أن الجزائر دولة إقليمية في المنطقة، إذ قالت في هذا السياق “نحن نعمل سويا وبشكل وثيق سواء في المحافل الدولية أو على الصعيد الثنائي للمساهمة في تحقيق السلام في كل مكان”.
في محادثة هاتفية لوزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة مع نائبة كاتب الدولة الأمريكي ويندي شيرمان، تبادل الطرفان وجهات النظر حول العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك على الصعيدين الإقليمي والدولي، بما في ذلك على وجه الخصوص الوضع في مالي ومنطقة الساحل والصحراء، التعاون الدولي في مجال مكافحة الإرهاب، قضيتا الصحراء الغربية وفلسطين، إلى جانب الأزمة الحالية في العلاقات الدولية على خلفية الأزمة في أوكرانيا.
الزخم السياسي تجلى كذلك في الجانب الاقتصادي حيث ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال، الاثنين الماضي، أن شركة شيفرون بدأت محادثات مع الجزائر للسماح لشركة النفط الأميركية بالقيام بأعمال تنقيب عن الطاقة في الجزائر، وتخطط شيفرون الأمريكية لإنفاق 17 مليار دولار على مشاريع للطاقة هذا العام.
دعم القضايا العادلة
من المبادئ الأساسية للدبلوماسية الجزائرية، دعمها المطلق للقضايا العادلة في العالم، لاسيما القضية الفلسطينية، حيث عملت الجزائر خلال السنة الماضية والحالية على إعادة بعث القضية الفلسطينية، البداية كانت مع مؤتمر لمّ شمل الفصائل الفلسطينية خلال أكتوبر الماضي، لمّ الشمل من أجل تحقيق الوحدة الفلسطينية في يوم تاريخي أطلق عليه “إعلان الجزائر”. وقد أدرجت الجزائر القضية الفلسطينية ضمن جدول أعمال القمة العربية في نوفمبر الماضي باعتبارها قضية العرب الأولى، كما دعا رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون الى تنسيق الجهود لأجل عضوية كاملة لفلسطين في الأمم المتحدة، وضرورة معاقبة الكيان الصهيوني نظير انتهاكاته المستمرة ضد الشعب الفلسطيني، مع اعتبار المبادرة العربية لحل الدولتين هي السبيل الوحيد والأنسب حاليا لتحقيق السلام في المنطقة.
علاوة على ذلك، عملت الجزائر على إخراج القضية الفلسطينية من بعدها العربي الى النطاق الإسلامي، وتجلى ذلك خلال فعاليات مؤتمر اتحاد الدول الأعضاء في منظمة الدول الإسلامية والذي احتضنته الجزائر.
تعزيز العلاقات جنوب – جنوب
تعتبر إفريقيا من الدوائر المهمة في السياسة الخارجية الجزائرية، لاسيما وأن الجزائر جغرافيا تعد بوابة إفريقيا، وأكد الوزير الأول الجزائري أيمن بن عبد الرحمان من داكار، خلال شهر فيفري الحالي، على أن الجزائر ملتزمة بتسريع التكامل الإفريقي لمواجهة التحديات، مذكرا بالمواقف المشرفة للجزائر، لاسيما مسح ديون 14 بلدا إفريقيا بقيمة تجاوزت 1.4 مليار دولار، حتى لا تكون هذه الديون عائقا أمام دفع التنمية المحلية في هذه الدول، كما أكد التزام الجزائر على مساعدة نيجيريا على إيصال غازها الى أوروبا وتحقيق مصلحة الشعبين، لاسيما وأن هذا الأنبوب يمر عبر النيجر والتي تعد حسب إحصائيات الأمم المتحدة من أفقر الدول في العالم، وباعتبارها منطقة عبور، سوف تستفيد النيجر من أرباح سنوية مهمة تسمح لها بتحريك عجلة التنمية.
وترتكز النظرة الحالية للجزائر على ضرورة دعم البنى التحتية في إفريقيا باعتبارها قوة دافعة للنمو الاقتصادي المستدام والشامل، لاسيما وأن الجزائر تعمل على تجسيد الطريق العابر للصحراء على مسافة تتجاوز 10 آلاف كلم، مع محور رئيسي الى نيجيريا عبر النيجر وتفرعات تربط الجزائر وتونس ومالي والنيجر وتشاد، مشكلا بذلك حافزا ومسرعا للتكامل الاقتصادي، كونه يمتد على ثلاث مناطق في القارة الشمال، الغرب والوسط.
رفض التدخلات الأجنبية
وفي أكثر من مناسبة، أكدت الجزائر على رفضها المطلق لأي تدخلات عسكرية أجنبية في شؤون البلدان الداخلية، وبعد مرور السنين فشلت التدخلات العسكرية لحل الأزمات، وتركز النظرة الجزائرية على عدم إقصاء أي طرف، وجمع الفرقاء للوصول الى حل سياسي يؤسس لنظام ديمقراطي منتخب وفق ما تنص عليه المواثيق الدولية.
ويرى دكتور العلوم السياسية عبد الحميد طالبي، أن الزخم الذي تشهده الدبلوماسية الجزائرية خلال العام الماضي والحالي، راجع بالأساس للتغيرات الداخلية التي عرفتها الجزائر بعد الحراك الشعبي وما تمخض عنه من وصول قيادة رشيدة للحكم، متمثلة في رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بعد انتخابات شفافة، كما أن الظرف الدولي ساهم في تعاظم المكانة الإستراتيجية للجزائر، والجزائر لطالما كانت سيدة في قراراتها، خاصة ما تعلق بقضية الصحراء الغربية والقضية الفلسطينية، مع رفضها المطلق لمنطق الهيمنة والتبعية وسياسة الأمر الواقع، وهذا ما نراه حاليا، حيث تنشط الدبلوماسية الجزائرية على أكثر من صعيد، لاسيما على مستوى إفريقيا، حيث تعمل الدبلوماسية الجزائرية مع شركائها الرئيسيين لاسيما جنوب إفريقيا ونيجيريا على النهوض بالقارة وتخليصها من منطق الرضوخ والتبعية لمستعمر الأمس، لاسيما فرنسا.
والمواقف المشرفة للدبلوماسية الجزائرية لمسناها حتى خلال الأزمات والكوارث الطبيعية، حينما سارعت الجزائر لإرسال أطقم الحماية المدنية لمساعدة تركيا وسوريا، باعتبارها دولة صديقة وشقيقة في محنتهم بعد الزلزال المدمر الذي ضرب الدولتين.
