اعتبرت الجمعية المغربية لحقوق الانسان في تقرير لها “حول الفساد المستشري في المغرب” أن هذه الظاهرة سرطان لم تتمكن الاتفاقيات الأممية من الحد منه وفشلت الإجراءات المتخذة من تقليل آثارها.
أضاف التقرير أن المغرب وقع على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في اليوم الأول الذي وضعت فيه للتوقيع وهو9 ديسمبر 2003، وصادق عليها بتاريخ 7 مايو2007 بدون أي تحفظ، ولم يمض شهر واحد على هذا الحدث الأممي الهام حتى تم تأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة في 7 يناير 2004 من أجل القطع مع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي شهدتها المرحلة التاريخية للمغرب ما بين 1956 و1999.
وأبرزت الجمعية أن الكل بالمملكة كان يعتقد بأن المغرب في منعطف حقيقي لطي صفحة الانتهاكات والتجاوزات والتعسفات على حقوق المواطنين والمواطنات، وللقطع مع ما صاحب هذه المرحلة من فساد بكافة أشكاله ولاستئصال جذوره السرطانية المتمثلة في الانحلال السياسي والإداري وتفكيك عروشه الأخطبوطية الممتدة داخل كل القطاعات من رشوة وزبونية ومحسوبية ونهب للثروات وتهريب للأموال.
وتأسفت الجمعية كون “الأقل تشاؤما للتجربة المغربية والأكثر حماسا وثقة في الخطابات الرسمية صدموا من حجم انتشار الفساد في المغرب ومن طبيعته البنيوية المترسخة في دواليب الدولة العميقة التي لم تستطع التخلص من عوائدها القديمة”.
واضافت الجمعية انه عوض تحقيق الانفراج السياسي والنزاهة الاقتصادية والتقسيم العادل للثروات وتمتيع المواطنين بالحرية والكرامة والمساواة وإعادة الثقة المفقودة في المؤسسات، “شهد المغرب العكس، بل الأسوأ”.
واستشهدت الجمعية في تقريرها بالفساد المرتبط بالمجال السياسي والمدني، فالدولة -حسب ما قالت- “ماضية في الاعتقال السياسي وقمع حرية الرأي والتعبير ومنع الحق في التظاهر السلمي والتضييق على حرية الصحافة والتجسس على المدافعات والمدافعين على حقوق الإنسان وعلى كل من لا يسايرها في سياستها وبرامجها”.
وشددت الجمعية المغربية بالقول أن “عدم احترام الخصوصيات الشخصية لمعارضي السلطة وتوظيف وسائل الإعلام للمس بسمعتهم –وما فضيحة بيغاسوس المتعلقة بالتصنت على هواتفهم إلا دلائل قاطعة–، لا يترك أي مجال للشك بأن الأجهزة الأمنية في المغرب تتصرف فوق كل القوانين وخارج التشريعات الوطنية والدولية وتتجاوز كل الأعراف الدبلوماسية”.
وقد تكرس وتعزز وتوالد هذا النوع من الفساد –تقول الجمعية– منذ عقد القران بين السياسة والمال.
“الفساد تحول الى نشاط عاد بالمغرب”
اما الفساد في المجال المالي والاقتصادي ففضائحه، كما تؤكد الجمعية، “لا تعد ولا تنقطع ولا تتوقف وتصل باستمرار إما عن طريق الصحافة الاستقصائية، كما هو حال ما أصدره الاتحاد الدولي للمحققين الصحفيين في فضيحة وثائق بنما التي تتعلق بالتهرب الضريبي التي تورط فيها العديد من رؤساء الدول والمشاهير ومن بينهم مغاربة (2016)، وما توصل إليه الصحفي الاستقصائي، المعتقل حاليا والمحكوم عليه بست سنوات سجنا نافذ، عمر الراضي، في قضية تفويت الأراضي المملوكة للدولة بأثمان رمزية لا صلة لها بأثمان سوق العقار”، أو عن طريق المجتمع المدني أو ما يتداوله الإعلام الأجنبي كما هو الحال بالنسبة لقضية “ماروك غايت” التي قدم فيها المغرب رشاوى الى بعض النواب في البرلمان الأوروبي.
ونظرا لخطورة هذه الآفة على النمو الطبيعي للاقتصاد ولنتائجها العكسية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة الواردة في برنامج الأمم المتحدة ذات الصلة ولما لها من انعكاسات وخيمة على توسيع دائرة الفقر والهشاشة، ذكر المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان بأن حالة البلاد مستمرة في التقهقر سنة بعد أخرى، وهوما تبينه الوقائع وبعض المؤشرات الدولية.
بدوره، أكد رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، محمد الغلوسي، أن الحكومة المغربية “عمدت إلى التطبيع مع الفساد وتحويله إلى نشاط عاد وممارسة مقبولة في الحياة العامة، ليصبح بذلك نسقيا وبنيويا، وأدى الى تصنيف البلد في ترتيب مخجل على مستوى مؤشرات إدراك الفساد خلال سنة 2022 (المرتبة الـ97)”.
وأوضح أن الترتيب المذكور وصلت إليه المملكة “بعدما عمدت حكومة أرباب العمل إلى إدارة ظهرها لكل المشاريع والقوانين التي من شأنها تطويق الفساد والرشوة، كما جهزت الأرضية لإفلات لصوص المال العام والمفسدين من العقاب، وأصبحوا هم من يتحكمون في رقاب المغاربة ويدبرون الشأن العام”.
وكانت الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة قد أكدت أن المغرب يعيش وضعية “فساد عامة دون وجود آفاق للخروج منها”، حيث تظل كل التوصيات الصادرة للقضاء على الفساد “حبرا على ورق، ولا تجد آذانا صاغية لتفعيلها على أرض الواقع”.