احتفل الشعب الفلسطيني أمس في الوطن والشتات، بالذكرى 58 لانطلاقة الثورة الفلسطينية، ولانطلاقة حركة «فتح» التي وحّدت الفلسطينيين حول الهوية والهدف، وارتقت بهم من حالة الشتات والتشتت إلى مستويات الكفاح من أجل تحقيق الأماني بالتحرّر من نير الاحتلال وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة.
أكد الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، أنه بعد 58 عاما من انطلاقة الثورة لا زالت فلسطين صامدة وشامخة بتاريخها وحاضرها وبشعبها المرابط. وأضاف في كلمة مسجّلة بثّها تليفزيون فلسطين، «نقول للمحتلين كلما زاد طغيانكم، كلما ازداد شعبنا قوة وعزيمة وإصرارا في مواجهة عدوانكم وإرهابكم، وفي التمسّك بأرضه وحقوقه الوطنية المشروعة».
وتابع أن «مخططات الكيان الصهيوني المتطرّفة والعنصرية، ستفشل حتما بثباتنا على أرضنا»، مؤكدا أنه كما أسقطنا صفقة القرن، سنسقط مؤامرات الاحتلال الاستعماري، بوحدتنا، وبتمسكنا بثوابتنا الوطنية، وبمقاومتنا الشعبية السلمية.
ودعا الرئيس الفلسطيني الجميع إلى حوار وطني فلسطيني سياسي شامل في القريب العاجل، للعمل والتصدي وتحمّل المسؤولية معا والسير نحو تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني.
الطلقة الأولى
في الأول من جانفي عام 1965 كانت البداية، وكانت الطلقة الأولى، حيث تسلّلت المجموعة الفدائية الأولى لحركة «فتح» إلى داخل الأرض الفلسطينية المحتلة، وفجّرت نفق عيلبون الذي يتمّ من خلاله سحب مياه نهر الأردن لإيصالها إلى صحراء النقب، لبناء المستوطنات من أجل إسكان اليهود المهاجرين فيها، وعادت المجموعة الفدائية إلى قواعدها بعد أن قدّمت شهيدها الأول أحمد موسى أثناء العملية، لتعمّد بالدم باكورة مقارعتها للاحتلال.
وكان البيان الأول الذي أصدرته الحركة الفتية، إيذانا بميلاد فجر جديد، ميلاد الثورة الفلسطينية وتبنّى الكفاح المسلح، الذي يعتبر الخيار الوحيد لتحرير فلسطين، في ظلّ عالم كان ولايزال، لا يفهم لغة غير لغة القوة.
مرافقة السلاح بالعمل السياسي
ولم يكن الكفاح المسلّح مجرد شعار فضفاض ترفعه الثورة الفلسطينية؛ بل كان جملة من المضامين والتوجهات المثمرة. فحيث تواصلت العمليات الفدائية في عمق الكيان المحتل لتقض مضاجعه، كانت «فتح» تدير جملة من المسارات الهادفة إلى بلورة الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني عبر منظومة متكاملة من الأنشطة السياسية والإعلامية والنقابية والثقافية التي حوّلت واقع الشتات البائس إلى كينونة وطنية ترقى، في بعض تجلياتها إلى مصاف الكيانات السياسية الراقية في العالم.
في أعقاب هزيمة 1967، سارعت حركة «فتح» إلى إعادة تشكيل الخلايا والمجموعات السرية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فنفذت أكثر من 130 عملية فدائية خلال الشهر الأول بعد الاحتلال.
ولم تكن معركة الكرامة في 21 مارس 1968 انعطافة حاسمة في المسار الكفاحي لحركة «فتح» فحسب، بل علامة فارقة في تاريخ النضال الفلسطيني بشكل عام، إذ تمكّنت ثلة من الفدائيين تناهز 300 مقاتل، مدعومة بوحدات من الجيش الأردني من صدّ عدوان عسكري صهيوني مدجّج بأحدث أنواع العتاد.
في عام 1982م خاضت الثورة الفلسطينية معركة أسطورية في مواجهة الجيش الصهيوني، وكان الصمود الأسطوري في بيروت والذي استمرّ 88 يوما من الحصار والقصف البري والجوي والبحري للمقاومة الفلسطينية التي فضّلت الموت على الاستسلام، لكن أمام الأوضاع الداخلية التي كان يعيشها الشعب اللبناني، ولوقف العمليات الصهيونية التي استهدفت المدنيين أيضا، اضطرت منظمة التحرير للخروج من بيروت، فرحل ما يقارب 12 ألف مقاتل فلسطيني إلى بعض الدول العربية في شهر أوت 1982، وبدورها انتقلت القيادة الفلسطينية إلى تونس.
إعلان قيام الدولة
في عام 1987 اندلعت انتفاضة الحجارة التي عمّت المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، وقبل أن تكمّل عامها الثاني، كان المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في الجزائر بتاريخ 15 نوفمبر 1988 يعلن على لسان الرئيس الراحل ياسر عرفات قيام دولة فلسطين.خاضت «فتح» مطلع تسعينيات القرن الماضي حربا سياسية فرضت من خلالها وجوداً وتمثيلا للشعب الفلسطيني في مؤتمر مدريد للسلام الذي عقد في نوفمبر 1991، وفي 13 سبتمبر 1993، وقع اتفاق أوسلو بين قيادة منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الصهيونية، وكانت عودة كوادر وقيادات الثورة من الخارج إلى أرض الوطن بتاريخ 4 ماي 1994، ثم الرئيس الراحل ياسر عرفات في الأول من جويلية من نفس العام، لتبدأ مرحلة بناء مؤسسات الشعب الفلسطيني بعد أن أقرّ المجلس المركزي الفلسطيني في دورته المنعقدة في تونس بتاريخ 10 أكتوبر 1993 قيام أول سلطة وطنية فلسطينية على أرض الوطن، وانتخب ياسر عرفات (أبو عمار) من قبل الشعب الفلسطيني رئيسا لها في انتخابات ديمقراطية نزيهة في 20 جانفي 1996 إلى جانب انتخاب أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني.
بعد 58 عاما من النضال والتضحية والفداء، مازالت حركة «فتح» ومعها كل الفلسطينيين وحركات المقاومة التي نسجت خيوط الحلم الفلسطيني، متمسّكة بالدفاع عن الحق الثابث في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ومقاومة كل أشكال الاحتلال والاستبداد والأبرتايد، ومهما طال الزمن سيتحقّق الحلم الفلسطيني.