مع تزايد حالات القمع وأعداد ضحايا الهجرة غير النظامية بين المغرب وإسبانيا، تتعالى الأصوات الحقوقية بالبلدين تنديدا بسياسات الهجرة القاتلة للاتحاد الأوروبي، وسط مطالب بحفظ الحقوق وتحقيق العدالة للضحايا.
أعلنت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالناظور، عن تنظيم وقفة احتجاجية بالشموع، اليوم الأحد، تنديدا بهذه السياسات القاتلة، وتضامنا مع ضحايا مأساة الجمعة 24 جوان بسياج مليلية الاسبانية.
الوقفة تأتي ضمن برنامج لتخليد اليوم الدولي للمهاجرين، الذي يحل، حسب فرع الجمعية، في سياق تكريس سياسات الهجرة المرتكزة أساسا على المقاربة الأمنية، وتشديد المراقبة على تحركات المهاجرين.
هذا الوضع أدّى، تضيف الجمعية في بيان لها، إلى تدهور أوضاع المهاجرين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإلى انتهاك حقوقهم الأساسية في السكن والصحة والتعليم وحقهم في الشغل والتنقل، بل تعدّاه إلى المس بالحق المقدس في الحياة، وإلى فقدان العديدين الذين ما زال مصيرهم مجهولا، بالإضافة إلى المحاكمات الجائرة والاعتقالات التعسفية والترحيلات القسرية وإلى انتهاكات لا حصر لها.
وسجّل حقوقيو الناظور، أنّ ملف الهجرة واللجوء بالمغرب، عرف تراكمات من الانتهاكات الخطيرة مسّت بشكل خاص المهاجرات والمهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء، وأبرزها «مأساة مليلية»، التي خلّفت مصرع 27 شخصا، و77 مفقودا، و87 مهاجرا وطالب لجوء معتقل على خلفية هذه الأحداث.
وإلى جانب هذه المأساة، نبّهت الجمعية إلى مئات المهاجرين من جنوب الصحراء وشمال إفريقيا، ومنهم العديد من النساء والأطفال الذين يفقدون حياتهم كل سنة عبر طرق الهجرة البحرية التي أصبحت أكثر فتكا؛ مثل طرق جزر الكناري أو من الشمال إلى إسبانيا.
التّحقيق والمحاسبة
يطالب فرع أكبر جمعية حقوقية بالمغرب بعدم إغلاق ملف «مأساة مليلية» دون فتح تحقيق نزيه من طرف جهات مستقلة من أجل تحديد المسؤوليات وترتيب الجزاءات.
كما دعا حقوقيو الناظور إلى تحديد مسؤولية الاتحاد الأوروبي والدولة الإسبانية في هذه الجريمة سواء بشكل مباشر أو عبر كل أشكال الدعم المقدم للمغرب، بما فيه الدعم المادي واللوجستيكي والسياسي من أجل القيام بمهمة الحارس للحدود الجنوبية للاتحاد الأوروبي.
وأكّد ذات البلاغ مسؤولية الدولتين المغربية والإسبانية عن الاختفاء القسري لمجهولي المصير ممّن فقدوا أثناء أحداث مليلية، رافضا تجريم الهجرة عبر المتابعات بحق المهاجرين، رغم أنّ هناك مسؤولين حقيقيين عن شبكات الاتجار وتهريب البشر، الذين ينتعشون كلما تمّ تشديد المراقبة وعسكرة الحدود.
مدريد تحفظ التّحقيق
في السّياق أعلنت النيابة العامة الإسبانية، أمس الأول، أنّها أغلقت تحقيقها في مقتل 23 مهاجرا إفريقيا خلال محاولتهم دخول جيب مليلية المحتل في جوان الماضي.
وقالت النيابة في بيان «إنّ هذا القرار جاء لعدم العثور على مؤشرات عن ارتكاب جنح في سلوك عناصر قوات الأمن الإسبانية خلال هذه المأساة».
وأضاف البيان «لا يمكن أن نستنتج أن تصرفات عناصر الأمن زادت من المخاطر على حياة المهاجرين وسلامتهم الجسدية، وبالتالي لا يمكننا اتهامهم بالقتل غير العمد».
لكن النيابة قالت إنّها أرسلت إلى مسؤولي قوات الأمن عناصر لاتخاذ إجراءات تأديبية محتملة ضد أفراد أمن يشتبه في قيامهم بإلقاء الحجارة على مهاجرين.
وأعلنت النيابة الإسبانية عن فتح هذا التحقيق بعد أيام قليلة من المأساة من أجل «إلقاء الضوء على ما حدث».
وأفادت منظّمات غير حكومية وخبراء مستقلون بتكليف من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عن 37 حالة وفاة خلال هذه المأساة، وهي أكبر حصيلة للوفيات على الإطلاق على الحدود بين المغرب وجيبي سبتة ومليلية الاسبانيتين.
مطاردة مستمرّة للمهاجرين
من ناحية ثانية، أعلنت المديرية العامة للأمن الوطني في المغرب أنّ مصالح الأمن أوقفت خلال سنة 2022، أكثر من 32 ألف مهاجر غير نظامي، 85 بالمائة منهم من جنسيات أجنبية.
وأفاد البيان، بأنّ «جهود مصالح الأمن الوطني لمكافحة شبكات تنظيم الهجرة غير الشرعية تكلّلت بتوقيف 32 ألفا و733 مرشحاً للهجرة من بينهم 28 ألفا و146 من جنسيات أجنبية مختلفة بما يعادل 85 بالمائة من إجمالي الموقوفين».
وذكر أنّه «تمّ تفكيك 92 شبكة إجرامية وتوقيف 566 منظما ووسيطا للهجرة، بنسبة زيادة فاقت 36 بالمائة مقارنة مع سنة 2021، التي عرفت توقيف 415 منظماً للهجرة».
باحثة فرنسية: المملكة المغربية..مكان تهدر فيه حقوق الإنسان
قالت الباحثة الفرنسية، كريستيان داردي؛ إنّ «المغرب فاز في بطولة كأس العالم 2022، لكنه خسر في مجال حقوق الإنسان في ظل استمرار تردّي الأوضاع الحقوقية خلال السنوات الماضية».
أكّدت الباحثة الفرنسية، في مقابلة صحافية: «لنجعل من حقوق الإنسان، ومن حقوق المهاجرين بشمال المتوسط، محورا مهما لأي سياسة شراكة دولية، على النحو الذي تنص عليه الاتفاقيات الدولية والمبادئ التأسيسية للاتحاد الأوروبي».
وأشارت داردي، وهي باحثة في التنمية، إلى أنّ زوجها الحقوقي والمؤرخ المغربي معطي منجب، «لا زال يعانى من انتهاكات عديدة لأبسط حقوقه، خصوصا منذ عامي 2014 و2015»، مردفة «إنّه لم يعد رهن الاعتقال اليوم، لكنه في حرية ظاهرية وحسب، والسلطات تمارس عليه ضغوطا كبيرة لإسكاته وتثبيط تفكيره النقدي، إلا أن ذلك يأتي بنتائج عكسية تماما».
وأضافت أنّ معظم الجمعيات والمنظمات غير الحكومية تشترك في تسجيل تدهور مستمر للحريات في المغرب منذ ما يزيد على الثماني سنوات، وقالت: «فلنتذكّر أنّ المئات من الشباب الريفيين سُجنوا لمجرد أنّهم أعربوا عن رغبتهم في الاستفادة من تحسين ظروفهم المعيشية، وأنّ قادتهم لا زالوا حتى هذه اللحظة يدفعون ثمنا باهظا بالسجن لفترات طويلة تصل إلى 15 و20 سنة، كما حُكم على العديد من الصحفيين بأحكام قاسية تتراوح بين 5 و15 عاما في السجن، بما في ذلك عمر الراضي، الذي منحته منظمة «مراسلون بلا حدود» قبل أيام جائزتها العالمية لعام 2022، وفي خريف عام 2022 – كما توضّح الباحثة الفرنسية كريستيان داردي – حُكم على المدوّنة والشاعرة سعيدة العلمي بالسجن 3 سنوات نافذة، وفي نهاية نوفمبر الماضي، تمّ الحكم بالسجن على نقيب المحامين محمد زيان (80 عاما)، الذي شغل منصب وزير حقوق الإنسان الأسبق، تبعا لشكاية من وزارة الداخلية تشمل كمّا هائلا من التهم، تتجاوز العشر بما في ذلك الزنا والتحرش الجنسي.