تبحث الجزائر عن التموقع على المستوى العالمي والإقليمي، من خلال إمكانية عقد شراكات مع دول وتكتلات عالمية، بالإضافة إلى إعادة النظر في الاتفاقيات التفاضلية واتفاقيات الشراكة في ظل توجهاتها الاقتصادية الجديدة والإستراتيجيات التي تبنتها.
من هنا جاءت فكرة التحاق الجزائر بكبار الاقتصادات العالمية، من خلال الانضمام إلى تكتل بريكس الذي يجمعها بأعضائه، عدة قواسم مشتركة، أهمها الرؤية المشتركة المتعلقة بعدم إدراج القضايا السياسية ضمن جدول أعمال المجموعة، واحترام سيادة الدول، بعدم التدخل في شؤونها الداخلية، كما أن انضمام الجزائر إلى هذا التكتل، سيمكنها من عقد شراكات واتفاقيات من شأنها دعم الجزائر استراتيجيا، كقوة إقليمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
أكد رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، خلال لقائه الدوري بممثلي وسائل الإعلام الوطنية، أن سنة 2023، ستكون سنة دخول الجزائر إلى مجموعة بريكس، الذي حضر اجتماعها الأخير، عن طريق تقنية التحاضر عن بعد، كما أكد تواجده بين أعضاء المجموعة، ضمن اجتماع رسمي قريبا، حيث حصلت الجزائر في هذا الإطار على موافقة كل من الصين، روسيا وجنوب إفريقيا، في حين تنتظر البرازيل نتائج الانتخابات من أجل منح موافقتها ليصبح الطريق معبدا أمام الجزائر، للانضمام إلى أكبر تكتل اقتصادي عالمي.
وقد أوضح الخبير الاقتصادي، عبد القادر سليماني في اتصال لـ “الشعب”، أن الجزائر تدرس في إطار مشروع التحول الاقتصادي الذي اعتمدته كل الاحتمالات والسبل التي تمكنها من استرجاع مكانتها الإقليمية والعالمية من خلال إعادة التمركز والاندماج في سلسلة القيم العالمية ولعب دورها، كقوة إقليمية اقتصاديا وسياسيا، على مستوى القارة الإفريقية. حيث تمتلك الجزائر من الإمكانيات ومن الطموح، ما يمكنها من أن تصبح عضوا نشيطا ضمن مجموعة بريكس، واستغلال الشركات التي تربطها بالدول الأعضاء في هذه المجموعة، والاستفادة من الامتيازات التي تقدمها هذه الأخيرة، خاصة ما تعلق بالتمويلات والاستثمارات، يرشحها في ذلك الاستقرار السياسي الذي تعرفه والموارد الطبيعية والبشرية التي تتمتع بها.
في نفس مستوى الكبار..
ويرى سليماني، أن الجزائر تحتاج اليوم إلى مضاعفة نسبة نمو الناتج الخام المحلي، وتنويع اقتصادها ومضاعفة مداخيلها من العملة الصعبة، من أجل بناء اقتصادي قوي، يقوم على تحول اقتصادي فعال ومستدام، وبالتالي يمكنها أن تجد ضالتها في الشراكات الفعلية، الممكن إقامتها مع دول مجموعة بريكس، خاصة ما تعلق بالقطاع المنجمي وقطاعي الطاقة والطاقات المتجددة والصناعة، كما أنها أمام ضرورة ملحة إلى تثمين كل الثروات، وفي هذا الإطار تعمل السلطات العمومية، يضيف المتحدث، جاهدة على تهيئة مناخ الأعمال، كدخول قانون الاستثمار الجديد حيز التطبيق، بكل ما يحمله من تحفيزات مالية وجمركية، كاستحداث الوكالة الوطنية لترقية الاستثمار، والشباك الموحد للاستثمارات الأجنبية وآجال دراسة الملفات الذي لا تتعدى مدته شهرا، ولجنة الطعون التابعة مباشرة إلى رئاسة الجمهورية. مما سيسمح لها بوضع نموذج تنموي على امتداد 10 سنوات، يرشحها للتحصل على مكانة مهمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
جاهزة لوجيستيكيا وتنظيميا..
وتعتزم الجزائر مراجعة قانون النقد والقرض، حيث أعطى رئيس الجمهورية، يقول سليماني، تعليمات بإدخال تعديلات على قانوني القرض والصرف، بما يمنح سلاسة وانسيابية فيما يخص حركة رؤوس الأموال. كما أمر بعصرنة منظومة الحوكمة عبر الوسائل الرقمية على مستوى كل المؤسسات. وإعادة بعث النشاطات الاقتصادية في جميع القطاعات، كالسياحة والفلاحة من اجل أقصى استثمار ممكن للموارد الطبيعية التي تزخر بها الجزائر، والاهتمام بصفة خاصة بمحور الاقتصاد الرقمي أو اقتصاد المعرفة، كأهم ركيزة للمرحلة القادمة من عمر الاقتصاد الوطني، حيث ستكون وراء تحقيق نسبة نمو حقيقي، يسمح للنموذج التنموي المتنوع، المعتمد من طرف السلطات العمومية، التخفيف من هيمنة قطاع المحروقات. وفي هذا الصدد، كان رئيس الجمهورية، قد اوجب مساهمة قطاع الصناعة بنسبة 10 إلى 15 % ومساهمة القطاع الفلاحي بنسبة 30 %، كما أمر بتسلم السياحة قيادة قاطرة الاقتصاد الوطني، بالنظر إلى الموارد الطبيعية التي تجعل من المشهد الطبيعي الجزائري قارة بتنوعها الثقافي والجغرافي.
ويعتبر الخبير أن بعث عدة مشاريع لوجيستيكية لتجسيد شبكة نقل نحو إفريقيا، مكونة من الطرقات وخطوط السكك الحديدية، كالطريق الرابط بين تندوف والزويرات الموريتانية وخط السكة الحديدية الذي يربط دول غرب إفريقيا إلى جانب اتفاقية المناطق الحرة “زليكاف”، التي دخلت حيز التطبيق هي الأخرى في 01 جويلية من السنة الجارية وغيرها من المساعي الرامية إلى الانفتاح الفعلي على الاقتصاد العالمي.
إعادة التوازنات الاقتصادية..
إن تحقيق جملة الإجراءات هذه، حسب المتحدث، ستمكن الجزائر من تحقيق توازنات على مستوى اقتصادها الكلي، والتحكم في مؤشرات التضخم الذي يجتاح العالم حاليا، بالإضافة إلى التحكم في ميزان المدفوعات والميزان التجاري. والأكيد أن انضمامها إلى مجموعة بريكس، سيعزز مسارها هذا، كما سيسمح لها بالقيام دور ريادي في التجارة الخارجية الأفريقية، وكسب رهان تحقيق نسبة نمو 06 %، لإعادة القاطرة إلى المسار الصحيح، لينعكس ذلك على الجبهة الاجتماعية وتحسين مستوى معيشة المواطن الذي تعهد رئيس الجمهورية بصون كرامته.
أقوى الأرقام العالمية..
تلعب دول التحالف الخمس، الذي يضم أكثر من 3.2 مليار نسمة، أي ما يمثل أكثر من 40 % من سكان العالم، واكبر معدل نمو يقدر بـ أكثر من 9 %، وناتج محلي داخلي يصل إلى أكثر من 25 تريليون دولار، وتتحكم في أكثر من 20 % من الاستثمارات الأجنبية عالميا، كما تتحكم في أكثر من 25 % من التجارة الخارجية العالمية، دورا مهما في تحديد السياسات العامة بالنسبة للمنظومة العالمية، من خلال الآليات التي أنشأتها هذه المجموعة لاسيما بنك التنمية، الذي تم استحداثه في 2014، حيث سيلعب دور صندوق النقد الدولي، ما سيخلق ازدواجية وتحقيق توازن بين القطبين. خاصة وانه يضم من الأعضاء من يسيطر على الاقتصاد العالمي من خلال استحواذه على مجالات حيوية وحساسة، حيث تعتبر الصين ثاني أكبر اقتصاد عالمي، كما تعتبر الهند خامس اقتصاد عالمي، يتميز بالتحكم التكنولوجي وأقوى معدل استهلاك داخلي، إلى جانب البرازيل كأقوى اقتصاد بأمريكا الجنوبية والثامن عالميا، تليه روسيا في المرتبة الحادية عشرة، التي تعتبر الثانية عالميا من حيث تصدير النفط بعد المملكة العربية السعودية، والمصدر الأول للقمح وكذا جنوب إفريقيا، كمكمن مهم للمعادن النفيسة خاصة الألماس.