أعلن مجلس الجلوس على العرش، اليوم السبت، تنصيب تشارلز الثالث ملكا للمملكة المتحدة، بعد يومين من وفاة والدته الملك إليزابيث الثانية.
تعهد تشارلز الثالث بعد التنصيب بمتابعة “المثال الملهم المترسخ في دستورنا”. وقال تشارلز الثالث إن الملكة إليزابيث الثانية قدمت نموذجا لا مثيل له في الحكم. وأضاف خسارتنا لا تعوض بوفاتها.
بوفاة الملكة إليزابيث أصبح ابنها الأكبر تشارلز ملك بريطانيا تلقائيا وقائدا لكومنولث يضم 14 دولة.
الملك تشارلز الثالث من أكثر من انتظر الوصول إلى العرش منذ تعيينه في منصب ولاية العهد، لطول مدة حكم والدته الراحلة إليزابيث.
حداد وطني
قال قصر باكنغهام البريطاني إن الملك تشارلز الثالث أعلن حدادا ملكيا ينتهي بعد أسبوع من جنازة الملكة. وذكر القصر في بيان أن الحداد الملكي «سيستمر من الآن وحتى سبعة أيام بعد جنازة الملكة»، لكنه لم يحدد موعد الجنازة. وألقى تشارلز الثالث أول خطاب رسمي بصفته ملكا لبريطانيا، في أجواء حزينة على وفاة والدته.
وبحسب «عملية جسر لندن»، وهو الاسم الرمزي لخطة مفصلة للغاية يتم وضعها منذ لحظة الوفاة ولغاية الأيام والأسابيع التي تلي ذلك، فإنه باليوم التالي للوفاة، يلتقي مجلس الملكة الخاص بمجلس ارتقاء العرش، ليعلن رسميا تشارلز ملكا.
وفي اليوم ذاته، ألقى تشارلز أول خطاب رسمي له بصفته ملكا، وبعد ذلك يجري جولة في المملكة المتحدة تشمل اسكتلندا وأيرلندا وويلز، قبل العودة إلى لندن.
تغييرات جذرية في العائلة المالكة
بعد وصول الملك تشارلز إلى عرش المملكة المتحدة، سيتغير شكل الأسرة الملكية بشكل جذري، بخروج عدد من الأمراء من الصورة بشكل نهائي، وخطة الملك لحصر المهام الملكية على عدد محدود من الأسماء لن تتعدى سبعة.
جاء قرار الملك الذي تم الإعلان عنه حتى قبل توليه المنصب، بعد سلسلة أحداث عرفتها الأسرة الملكية، في السنوات القليلة الماضية، أبرزها تورط الأمير أندرو في تُهَم جنسية، دفعت الملكة الراحلة لإبعاده عن المشهد العام، إضافة لضجة انسحاب الأمير هاري من الأسرة الملكية واتهامه لأفراد من الأسرة بالعنصرية.
وستحدث تغييرات كبيرة في التسميات التي يحملها الأمراء، ذلك أن الأمير ويليام سيصبح ولي العهد في بريطانيا، وستصبح الأميرة كاميليا، زوجة الملك تشارلز الثالث، “عقيلة الملك”، وهو لقب يختلف عن لقب الملكة الحاكمة والتي تتمتع بنفس صلاحيات الملك كما كان الحال بالنسبة للملكة الراحلة إليزابيث الثانية.
لن تتمتع عقيلة الملك بصلاحيات الملك، ولن يكون لها أي سلطة سياسية ولا عسكرية، علما أنه يتم تقليدها في نفس الحفل الذي يتم فيه تقليد الملك، وستكون عقيلة الملك حاضرة معه في كل المناسبات الرسمية.
وقبل وفاة الملكة إليزابيث الثانية بأشهر، توجت كاميليا بلقب «عقيلة الملك».
أشخاص أساسيون
الأسرة الملكية البريطانية ستنحصرفي 7 أشخاص فقط، هم: عقيلة الملك كاميليا، وولي العهد ويليام وزوجته كيت ميدلتون، والأخ الأصغر للملك الأمير إدوارد وزوجته صوفي رايس، وأخت الملك الأميرة آن، التي كانت الأكثر قربا من الملكة الراحلة إليزابيث الثانية، وسيكون على رأس هؤلاء الملك تشارلز الثالث.
الغرض من هذا التحول هو وضع حد لتوزيع المهام الكثيرة بين أفراد الأسرة الملكية، وكذلك تحديد تحركات الأسرة، مع التركيز وبشكل كبير على ولي العهد ويليام وزوجته كيت، باعتباره ملك المستقبل.
في المقابل، سيخرج الأمير أندرو تماما من المشهد، رغم إسقاط الدعوى التي كانت مرفوعة ضده بتهم الاعتداء الجنسي، إضافة لخروج الأمير هاري وزوجته ميغان، ذلك أن موقف الملك تشارلز كان حاسما، منذ البداية ونقلت تقارير إعلامية غضب تشارلز العارم من تصرفات ابنه هاري واتهامه للأسرة الملكية بالعنصرية.
تحديات
يرث تشارلز مملكة تواجه أزمة اقتصادية واجتماعية خطيرة وانقساما بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ورغبات في الاستقلال وتوتر في اسكتلندا وأيرلندا الشمالية، واضطرابا سياسيا مع تولي رابع رئيس للوزراء السلطة، خلال ست سنوات.
العالم ينعي رمز الاستمرارية
بين برقيات تعزية وتنكيس أعلام، نعى العالم، ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية، معتبرا إياها رمزا إنسانيا كبيرا وإرثا في صفحات التاريخ.
نعي الرئيس الأمريكي جو بايدن، الملكة إليزابيث الثانية، قائلا إنها: «إرث كبير» في صفحات التاريخ البريطاني وفي العالم أجمع، معلنا تنكيس أعلام بلاده في البيت الأبيض والمباني الفيدرالية حدادا على رحيلها.
وأعرب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عن تعازيه لملك بريطانيا تشارلز الثالث في وفاة الملكة إليزابيث الثانية.
وعزى الرئيس عبدالمجيد تبون الملك تشارلز الثالث في وفاة والدته “الحكيمة المخضرمة التي جسدت علاقة الصداقة الجزائرية البريطانية”.
وقالت الرئاسة الروسية في بيان: «ترتبط أهم الأحداث في التاريخ الحديث لبريطانيا ارتباطا وثيقا باسم الملكة إليزابيث الثانية».
وعزى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الشعب البريطاني في وفاة الملكة، مؤكدا أنها «جسدت وحدة واستمرارية الأمة البريطانية لأكثر من 70 عاما».
وأعرب المستشار الألماني أولاف شولتس، عن حزنه في وفاة الملكة إليزابيث، مؤكدا أنها «كانت نموذجًا يُحتذى به ومصدر إلهام للملايين».
ووصف رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، الملكة إليزابيث بأنها «قائدة ملهمة» لوطنها وشعبها.
أوروبيا، نعى الملكة الراحلة كل من رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا رئيس المجلس الأوروبي تشارلز ميشيل رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل.
واعتبروا في تعاز منفصلة الملكة الراحلة إنها من «قلة قليلة من الناس صاغوا تاريخ العالم مثل الملكة إليزابيث»، مشيدين بمساهمتها الفريدة في بناء السلام والمصالحة.
وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن «حزنه العميق» بسبب وفاة الملكة إليزابيث الثانية، مضيفا أنها «تحظى بإعجاب عالمي لقيادتها وتفانيها».
وقدمت البلدان العربية تعازيها في وفاة الملكة البريطانية، وأمر ملك البحرين بتنكيس الأعلام وأقرّ الحداد لمدة ثلاثة أيام.
انتظار طويل
انتظر الملك الجديد (يكمل 74 عاما قريبا) لحظة وصوله إلى سدة العرش، بعدما أصبح أكبر وأقدم وريث شرعي في تاريخ بريطانيا.
وهو أقدم وريث شرعي لمنصب «أمير ويلز» حيث تولى هذا المنصب منذ جويلية 1958، وتبوأ تشارلز منصب الوريث الشرعي ودوق كورنوال ودوق روثيزاي منذ 1952، ولقب «دوق إدنبرة» عند وفاة والده في 9 أفريل 2021. ولد تشارلز في 14 نوفمبر 1948، في قصر بكنغهام بالعاصمة البريطانية لندن.
بعدما حصل على شهادة بكالوريوس في الفنون من جامعة كامبريدج، أدى تشارلز الخدمة العسكرية في القوات الجوية الملكية والبحرية الملكية منذ 1971 وحتى 1976.
في 1981، تزوج تشارلز الليدي ديانا سبنسر وأنجبا طفلين هما وليام (1982) وهاري (1984)، لكنهما انفصلا في 1996، عقب نشر الصحف أنباء عن علاقات للزوجين خارج إطار الزواج. وتوفت ديانا جراء حادث سيارة في باريس بعد عام على الطلاق.
وفي 2005، تزوّج تشارلز من صديقته السابقة كاميلا باركر بولز زواجا مدنيا بعد علاقة طويلة، وظلت هناك تكهنات بأنها لن تحصل على لقب ملكة عندما يتولى زوجها العرش خوفا من رد فعل العامة في المملكة المتحدة.
بيد أن هذه التكهنات حسمتها الملكة إليزابيث الثانية في خطاب ألقته بمناسبة الذكرى الـ70 لاعتلائها العرش عندما أعلنت أن زوجة ابنها كاميلا دوقة كورنويل ستصبح ملكة بريطانيا بعد تولي ابنها للعرش.
حياد سياسي
على مدار حياته، حاول تشارلز الالتزام بمبدأ «الحياد السياسي» الذي يطالب به أفراد العائلة المالكة في بريطانيا.
وفي فيلم وثائقي عرض لمناسبة عيد ميلاده السبعين عام 2018، أكد تشارلز أنه سيتوقف عن القيام بأي مداخلات علنية بشأن القضايا السياسية فور تنصيبه ملكا.
بيد أن الملك الجديد أثار بعض الجدل عندما تدخل في بعض الشؤون السياسية بينها وصفه في حديث خاص، خطط الحكومة البريطانية لترحيل طالبي لجوء إلى رواندا بأنها “مروعة”، وأكد أنه “يشعر بأكثر من مجرد خيبة الأمل حيال سياسة» الحكومة البريطانية.
يشار إلى أنه في عام 2008، وصفت صحيفة «الديلي تلغراف» تشارلز بأنه «أكثر أفراد العائلة المالكة اجتهادا في العمل».
وتولى تشارلز مهام رسمية عدة نيابة عن الملكة، إذ رأس مكاتب الاستثمار وحضر جنازات كبار الشخصيات الأجنبية، علاوة على حضور المناسبات الوطنية الهامة.
مرت السنوات، والعقود، وطوت الملكة البريطانية، عامها الـ70 في الحكم، لتصبح أكثر من جلس على العرش في تاريخ بلادها، وكان الثابت شيئا واحدا: لم تتقاعس عن خدمة شعبها رغم الصعوبات والتحديات.
الملكة إليزابيث الثانية التي رحلت عن عمر يناهز 96 عاما الخميس، دقت أبواب قلوب البريطانيين، منذ لحظتها الأولى في الحكم في فيفري 1952، لتصبح الملكة الأكثر شعبية في تاريخ البلاد، وتصفها مجلة فورين بولسي الأمريكية بأنها «شمس ساطعة لإمبراطورية غابت عنها الشمس».
لكن شمس إليزابيث غربت الخميس بعد أزمة صحية، لتترجّل تاركة العرش لنجلها ووريثها تشارلز، الذي بات تلقائيا ملك بريطانيا الجديد تحت اسم « تشارلز الثالث»، لتبدأ معه مرحلة جديدة للمملكة المتحدة وللعائلة المالكة.
محطات فارقة في مسيرة إليزابيث
ولدت الملكة إليزابيث في 21 أفريل عام 1926 بلندن، وكانت المولود البكر لألبرت، دوق يورك، الابن الثاني لجورج الخامس وزوجته الدوقة إليزابيث بوز- ليون.
تلقَّت تعليماً خاصّاً في منزلها، ودرست الأميرة التاريخ الدستوري واللغة الفرنسية فيما إرتقى والدها، جورج السادس، إلى عرش بريطانيا بعدما تنازل له شقيقه إدوارد الثامن عنه في عام 1936، ومُنذُ ذلِك الحين أصبحت إليزابيث الوريث المفترض للعرش.
بعد وفاة والدها الملك جورج السادس، وبعمر 25 عامًا، تولت إليزابيث، المعروفة باسم ليليبيت بين أصدقائها، العرش. وتوجت في كنيسة ويستمنستر في 2 جوان 1953، وكانت تلك المرة الأولى التي تمكن فيها العامة من مشاهدة هذا الحدث المقدس.
ووفقا للتقارير، سمحت إليزابيث لكاميرات التلفزيون ببث الحفل، في إشارة قوية إلى أن ملكيتها كان عهدًا جديدًا ومنفتحًا وذو صلة، وقالت في كلمة لها حينها «أعلن أمامكم جميعًا أن حياتي، سواء كانت طويلة أم قصيرة، ستكون مكرسة لخدمتكم وخدمة عائلتنا الملكية العظيمة، التي ننتمي إليها جميعًا».
في 20 نوفمبر عام 1947، تزوجت الأميرة إليزابيث من حبيب طفولتها، أمير اليونان والدنمارك، فيليب. وفي العام التالي، وتحديدا في 14 نوفمبر 1947 ولد الأمير تشارلز، أمير ويلز.
وأنجبت الملكة ثاني أبنائها الأميرة آن في 15 أوت 1950، ثم الأمير أندرو (دوق يورك) في 19 فيفري 1960، وأخيراً الأمير إدوارد، (نبيل وسكس) في 10 مارس 1964.
صلاحيات..
قادت الملكة إليزابيث البلاد كرئيسة للمملكة المتحدة والدول التابعة لها لمدة 70 عاما، واحتفلت في جوان الماضي باليوبيل البلاتيني لجلوسها على العرش.
وفق تقرير نشرته هيئة الإذاعة البريطانية، تمتعت الملكة إليزابيث الثانية – وأي ملك أو ملكة بريطانية – بما يطلق عليه الصلاحيات الملكية، وهي باقة من الصلاحيات التي ينص عليها الدستور البريطاني غير المكتوب.
والصلاحيات السياسية اليوم رمزية إلى حد بعيد، منها حل البرلمان واستدعائه للالتئام وحضورها جلسته الافتتاحية، وصلاحية التصديق على القوانين وتعيين وإقالة الوزراء وصلاحية تعيين رئيس الحكومة.
وبخصوص صلاحية إعلان الحرب، تحتفظ الملكة (أو الملك) بصلاحية إعلان الحرب على دول أخرى، مع أن هذه الصلاحية تمارس عمليا من قبل رئيس الحكومة والبرلمان.
وكذلك صلاحية الاستثناء من المقاضاة، فبموجب القانون البريطاني، تعد الملكة فوق القانون ولا يمكن مقاضاتها أبدا، كما لا يمكن محاسبتها في القضايا المدنية.
وارتبطت اليزابيث بشدة برفيق حياتها زوجها دوق أدنبرة الأمير فيليب، الذى توفي في 2021، عن عمر ناهز 99 عامًا، وحضر كبار أفراد العائلة المالكة جنازة تقلص حجمها بسبب فيروس كورونا.
وأجبرت إليزابيث على الوقوف وحدها مع مشاهدة إنزال تابوته إلى الغرفة الملكية في قصر ويندسور، مودعة زوجها الذي رافقها لـ73 عامًا، وقد كان الرجل الذي وصفته بأنه مصدر قوتها وقدرتها على الاستمرار.