حظيت الولايات المتحدة الامريكية بفرصة لقيادة العالم لفترة زمنية طويلة،بعد إزاحتها كل من بريطانيا وفرنسا عن عرش القيادة العالمية بعد الحربين العالميتين الأولى ثم الثانية.
لهذا فهي مثل غيرها من الدول والحضارات السابقة برزت وسيطرت نتيجة تراجع واضمحلال دولة أخرى، ولكن تواجه الولايات المتحدة الأمريكية حاليا مجموعة من التحديات برزت على إثرها أطروحة لدى المفكرين والمنظرين وهي ” تراجع الهيمنة الامريكية ” أو ” سقوط الولايات المتحدة الامريكية “، واختلفت التيارت ووجهات النظر حول هذا الموضوع بين مؤكد لحتمية تراجع القوة الأمريكية، بسبب إساءة الولايات المتحدة لاستخدام نفوذها، وخسارة حلفائها، بينما يرفضبعض المفكرين هذه الفكرة مؤمنين أن المكانة التي تحظى بها بلاد العم سام لا يمكن أن تتلاشى.
طرح العديد من الكتاب والباحثين في حقل العلاقات الدولية أطروحة تراجع الهيمنة الأمريكية بناء على عدة مؤشرات اقتصادية واجتماعية وحتى عسكرية، ومن بين المفكرين اللذين ناقشوا الموضوع نجد كل من : بول كينيدي وجوزيف ناي، فريد زكرياء، هينري كيسنجر…
الأسباب التي طرحها كل من هؤلاء متعددة وتعكس رؤيته للموضوع، ولكن في هذا المقال سنحاول مراجعة أفكار كل من بول كينيدي وجوزيف ناي حيث يتفق المفكران في نقطة أساسية مفادها أن الولايات المتحدة لا تزال تمتلك فرصة لاسترجاع ما فقدته.
انطلاقا من تأييد العديد من المفكرين والمنظرين لهذه الأطروحة: هل يمكن اعتماد تراجع الهيمنة الأمريكية على أنها فكرة صحيحة أم هي مجرد أطروحة تحتاج للمراجعة؟
يركز بول كيندي في طرحه على الالتزامات الامريكية تجاه الدول الأخرى ومأزق التمدد الذي سيقود الى تهديد النمو الاقتصادي الأمريكي، أما جوزيف ناي فيركز على مجموعة تحديات أبرزها الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وكلاهما لا ينكران المخاطر التي يشكلها الصعود الصيني على الهيمنة الأمريكية.
بداية مع جوزيف ناي
في مقاله (مستقبل القوة الأمريكية: الهيمنة والانحدار) والذي نشره في مجلة foreign affaires في 2010 يعتقد أنه أصبح من الرائج مقارنة الولايات المتحدة ببريطانيا خلال فترة أفولها، وتوقع تراجعا مشابها للهيمنة الأمريكية، حيث يتبنى بعض الأمريكيين موقفا عاطفيا من فكرة تراجع القوة، ولكن يمكن القول إنه من المنطقي وبالنظر للتاريخ تصديق أنه على الولايات المتحدة مشاركة مصادر القوة مستقبلا، فلا يمكن أن تبقى للأبد متحكمة في كل موارد السلطة حول العالم. ومفهوم” تراجع” أو “انخفاض” القوة أو الهيمنة في العلاقات الدولية، بالنسبة لناي، يجمع بين بعدين مختلفين:
- الأول التراجع المطلق بمعنى تحلل واضمحلال.
- الثاني هو انخفاض نسبي للقوة، وتزايد مصادر القوة في الدول الأخرى أو يصبح استخدام هذه الدول للقوة أكثر فعالية.
نظرة بول كينيدي
طرح بول كينيدي في كتابه ” نشوء وسقوط القوى الكبرى” فكرة تراجع الهيمنة الأمريكية تحت عنوان “ الولايات المتحدة مشكلة الرقم واحد في الانحطاط النسبي“، ففسر تراجع الهيمنة من منظور تاريخي، فالولايات المتحدة مثلها مثل الإمبراطورية الإسبانية عام 1600 أو البريطانية عام 1900، وريثة عدد كبير من الالتزامات الاستراتيجية التي قطعتها على نفسها قبل عقود خلت، حين كانت تتمتع بإمكانيات سياسية واقتصادية وعسكرية جبارة.
و من الأخطار التي تواجهها القوى العظمى ومن بينها الولايات المتحدة، من وجهة نظر كينيدي، يأتي ما يسمى ” فرط الامتداد الإمبراطوري“.
ولكن ليس هذا هو الخطر الوحيد الذي تواجهه أمريكا فهناك الكثير من التحديات التي ناقشها من بينها:
مأزق الولايات المتحدة والتزاماتها: فبالنظر لسلسلة الالتزامات التي فرضتها أمريكا على نفسها، صارت عاجزة حاليا على تحقيق هذه الالتزامات مقارنة بما كانت عليه من قبل، حيث تطرح السوابق التاريخية احتمالات متشابهة وتجعلنا ننظر لمسار الهيمنة الأمريكية بسلبية، فمصير العديد من البلدان العظيمة اصطدم بواقع مختلف، حيث بينما كانت قوتهم الاقتصادية في طور الانحطاط أو التباطؤ، فرضت عليهم التزاماتهم وتحدياتهم الخارجية الاستمرار في تخصيص مصادر عسكرية وأموال، مما يؤدي مع مرور الوقت إلى تخفيض النمو ورفع الضرائب (تبلغ ميزانية الدفاع في أمريكا أكثر من 700 مليار دولار سنويا، مع 800 قاعدة عسكرية في أكثر من 70 دولة).
تمتلك الولايات المتحدة التزامات عسكرية واقتصادية في مناطق مختلفة من العالم بداية من أمريكا الجنوبية والتي يتم وصفها بالحديقة الخلفية، بالإضافة الى نفوذها ومصالحها في الشرق الاوسط الذي يعتقد البعض انه السبب في تراجعها، والتزاماتها في شرق آسيا ( اليابان، تايوان، الفيتنام، كوريا الجنوبية…) والتي تضاعفت مع تنامي القوة الصينية وتزايد مخاوفهذه الدولالآسيوية من توسع هيمنة بيكين.
يرجح المفكرون أن تزايد هذه الالتزمات يجعل واشنطن تقع في مأزق يعطل النمو الإقتصادي ويستهلك الطاقة الأمريكية عسكريا وسياسيا، فالولايات المتحدة لن تكون قادرة على مجابهة التحديات المفروضة في هذه المناطق في وقت واحد، فاذا وضعنا احتمال وقوع أزمات في مختلف هذه الجبهات فالقوة الأمريكية رغم ضخامتها لن تكون كافية لتحمل تكاليف هذه الأزمات وسيكون التعويض مكلفا جدا.
ففي الشرق الاوسط على سبيل المثال أدّت الالتزامات العسكرية الشاملة وغير الحاسمة على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية إلى جعل الكثير من الأمريكيين، بمن فيهم من هم السياسيون، ينفرون من محاولات الولايات المتحدة تحقيق إنجازات في الشرق الأوسط عبر جهودٍ منفردة، مثل تدخلها في العراق والذي استنزف ميزانيات ضخمة طيلة 15 سنة تقريبا.
يبدو واضحاً أنّ الولايات المتحدة لا يمكنها واقعياً أن تحاول معالجة تحدّيات المنطقة الأساسية من دون استثمارات هائلة – وهي استثمارات لم تبدِ حتّى الآن استعداداً للقيام بها والتي قد لا تنجح حتّى.
ويتوقع أغلب المحللين إن القيام بالمزيد في الشرق الأوسط وهو بالأمر الجيد وله تبعاته السلبية، لكن نظراً إلى تكبّد واشنطن تكاليف عالية بإعطائها للشرق الأوسط الأولوية، وهناك نداءات للتخلي عن الشرق الأوسط لما هو في حاجة له من مجهود وتكاليف لتنظيم هذه المنطقة.
أما فيما يخص شرق آسيا، فالولايات المتحدة تعد شريكا اقتصاديا وأمنيا رئيسيا لمعظم دول هذه المنطقة، إذ أبرمت معاهدات تحالف مع تايلاند والفلبين فضلا عن تعاون عسكري كبير مع سنغافورة وفيتنام، التي أضحت واحدة من أهم الشركاء الأساسيين لأمريكا في آسيا.
ومعلوم أن الولايات المتحدةانحازت إلى فيتنام وماليزيا وإندونيسيا ضد الصين في النزاع حول منطقة بحر الصين الجنوبي.
بالإضافةإلى دعم الولايات المتحدة لتايوان أمام الصين، والتي تعتبر من أهم القضايا الخلافية بين الطرفين ومن غير المستبعد أن تكون سببا لصدام محتمل بين واشنطن وبيكين في المستقبل.
ولكن هذه الالتزامات صارت مهددة، لاسيما بعد انسحاب واشنطن من أفغانستان بشكل سريع وبطريقة أثارت شكوكا لدى بعض بلدان منطقة جنوب شرق آسيا، عما إذا كانت واشنطن ستهرع لنجدتهم والدفاع عنهم إذا اندلعت مواجهات عنيفة مع الصين.
وقد أشارت بوني جلاسر(مديرة برنامج آسيا في صندوق مارشال الألماني بالولايات المتحدة) إلى أن دول جنوب شرق آسيا يساورها دائما بعض القلق حيال بقاء نفوذ الولايات المتحدة قويا في المنطقة.
إضافة إلى مأزق الالتزامات يطرح المفكران تحديات أخرى اقتصادية وأبرزها القلق بشأن مستقبل اقتصاد الولايات المتحدة. وتشير الإحصائيات إلى أن الأمريكيين أصبحوا أكثر مديونية للأجانب ويقول نيال فيرجسون: ” هكذا تتراجع الإمبراطوريات تبدأ بانفجار الديون”.
وقد رأت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين في مقال رأي لها نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، أن الأزمة الناجمة عن التخلف عن سداد الديون المستحقة ستفاقم الضرر الناجم عن استمرار جائحة فيروس كورونا مما سيؤدي إلى اضطراب الأسواق ووقوع الاقتصاد الأمريكي في ركود مرة أخرى.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية هي صاحبة أكبر اقتصاد على مستوى العالم، إلا أن إجمالي الدين الفيدرالي الأمريكي قد وصل إلى 107% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية عام 2020، وهي نسبة غير معهودة في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية، والسبب وراء اقتراض الحكومة الأمريكية هو ببساطة لأن مصروفاتها أكثر من إيراداتها، الأمر الذي شهد حدوث عجز في الميزانية الحكومية بشكل مستمر طوال العقدين الماضيين، ويعتقد الكثير من المفكرين أن هذه الأزمة لن تمر بسهولة وتداعياتها ستكون كبيرة جدا.
ويطرح جوزيف ناي فكرة أخرى وهي الهجرةوالتي ينظر لها في الولايات المتحدة بسلبية في كثير من الأحيان، ولكنه حاول طرح الإيجابيات حيث يقول لا يمكن تقييمها انطلاقا من المظور السلبي فهي في كثير من الأوقات أثرت بشكل إيجابي على الولايات المتحدة، فالنموذج الأمريكي الجذاب يعتبر قوة ناعمة يمكن للولايات المتحدة استغلالها، لاستقطاب الأفضل من كل العالم ودمجهم في نظام يوفر الإمكانيات للإبداع، على عكس الصين المنافس الأول لواشنطن التي تمتلك قوة بشرية وعدد سكان كبير فأصبح الابداع يتركز في الفكر الآسيوي فقط، مما يعني غياب التنوع الثقافي الذي تعتبره الولايات المتحدة الأمريكية تميزا لها.
ولكن على الرغم من التحديات السابقة الذكر التي تواجهها الولايات المتحدة، إلى أن الخوف الأكبر يكمن في النمو والصعود الصيني بالمقابل الثبات في التطور العسكري الأمريكي.
وفي آخر مقال نشرته مجلة الإيكونوميست البريطانية في 1 سبتمبر 2021 لبول كينيدي، بعنوان” هل صعود الصين يعني سقوط أمريكا؟ “ يقول كينيدي ربما يكون من غير الحكمة التسرع في الإجابة بـ “نعم” على السؤال، فما يزال الكثير بخصوص أمريكا والعالم كما كان إبّان الثمانينيات عندما كنت أؤلف كتاب “صعود وسقوط القوى العظمى”، صحيح جاءت فترات في الأعوام الأربعين الماضية كان الموقف النسبي لأمريكا يبدو وكأنه قد انتعش مرة أخرى، وذلك في منتصف التسعينيات بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وفي عام 2003 بعد الاجتياح الأمريكي للعراق، ومع ذلك، فإن مثل فترات التعافي هذه كانت دائماً قصيرة الأجل، مقارنة بالعديد من الأمور الكبيرة التي تغيرت حاليا مع الصعود الصيني والتراجع الاقتصادي لأمريكا، مثلا: منذ الغزو الأمريكي لأفغانستان والى غاية انسحابها تضاعف النتاج المحلي للصين 10 مرات من 1400 مليار دولار سنة 2001 ليبلغ سنة 2021 أكثر من 14 تريليون دولار.
عسكريا كذلك ورغم القوة الهائلة للولايات المتحدة فالمختصون يرون أن حجم القوات المسلحة الأمريكية أصغر وأقدم بكثير مما كانت عليه في الثمانينيات. ويقول كينيدي ” فإلى متى يمكن حقاً، للقوات الجوية الاستمرار في إصلاح قاذفاتها الرائعة من طراز بي-52 التي يبلغ عمرها سبعين عاماً، والتي تُعد أقدم من جميع الضباط الذين هم على رأس الخدمة الآن؟ وكم من الوقت يمكن للبحرية أن تستمر في تجديد مدمرات أرلي بيرك التي يبلغ عمرها 30 عاماً؟ وحتى لو كان تجريد غرب المحيط الهادئ من حاملات الطائرات في ماي 2021، عندما كانت مجموعة يو إس إس أيزنهاور تغطي بدء الانسحاب من أفغانستان، مجرد إرباك مؤقت، فإن الحقيقة أن عدد حاملات الطائرات العاملة لدى البحرية الأمريكية اليوم أقل مما كانت عليه منذ أربعين عاما”
أما جوزيف ناي فتحدث في كتابه ” هل انتهى القرن الأميركي؟” عن الصعود الصيني، وتساءل: هل حقا تمثل بيكين خطرا على الولايات المتحدة الامريكية، وسرد “ناي” ثلاث مكونات أساسية للقوة بالنسبة له تؤكد على أن الولايات المتحدة ستظل تحتفظ بمكانتها وصدارتها للنظام الدولي تشمل:
الاقتصاد
ما زالت الولايات المتحدة تتمتع بقوة اقتصادية رغم توقعات تفوق الاقتصاد الصيني على نظيره الأميركي، وتتلخص حجج “ناي” في:
الدور المركزي للدولار في الاقتصاد العالمي، باعتباره العملة الأكثر اعتمادية في الاحتياطيات النقدية لمختلف دول العالم، والتي لا تضاهيه أي عملة أخرى، وأن نصيب دخل الفرد الأميركي أربعة أضعاف نصيب دخل الفرد الصيني، فضلًا عن تأسيس الاقتصاد الأميركي على التكنولوجيا، التطوير والإبداع والذي يعطيه ميزة لا تتوافر في نظيره الصيني.
ولكن ماذا عن احتمالية التخلي الصيني عن الدولار، حيث لطالما بذلت الصين جهودا من شأنها أن تعلي قيمة عملتها في الأسواق العالمية، وتنهي هيمنة الدولار الذي يتربع منفردا باعتباره عملة موحدة للاقتصاد العالمي.
يشير تقرير لصحيفة ” فايننشال تايم” البريطانية، إلى أن الصين لديها خطة أكبر لتقليل اعتمادها على الدولار، بالنظر إلى الرقم الذي تمثله في مشهد التجارة العالمية، وذلك من خلال تهيئة البنية المالية التحتية التي تسمح في نهاية المطاف باستخدام العملة الصينية في العمليات التجارية بدلا من الدولار.
الجانب العسكري
أما العامل الثاني الذي يتحدث عنه ” ناي” هو الجانب العسكري فعلى الرغم من تزايد الإنفاق العسكري الصيني وتزايد القدرات العسكرية الصينية، إلا أن الصين تأتي في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة في الإنفاق العسكري، ففي عام 2020 بلغت الميزانية العسكرية الأميركية نحو 778 مليار دولار بالمقارنة بنحو 252 مليار دولار للصين.
ويقع تركيز ” جوزيف ناي” على القوة الناعمة وما الذي يمكن أن تقدمه كأفضلية للولايات المتحدة الأمريكية، حيث تتفوق الولايات المتحدة، حسب اعتقاده، على الصين في القوة الناعمة رغم ملايير الدولارات التي تنفقها بكين على قوتها الناعمة.
ويُرجع “ناي” إخفاق القوة الناعمة الصينية لسببين رئيسيين؛
- أولهما: سيطرة المؤسسات الرسمية الصينية على مبادرات القوة الناعمة، مع تقويض فرص المؤسسات غير الرسمية التي هي الأساس لنجاعة القوة الناعمة لأي دولة.
- أما ثانيهما فيتعلق بالنزاعات الإقليمية مع دول الجوار مثل: اليابان، فيتنام، الفلبين، الهند، مما يولِّد صعوبات أمام المحاولات الصينية لجذب مواطني تلك الدول لتأييد المصالح والقيم الصينية.
لكن يعتقد الكثير من المفكرين أنه لا يجب الاستهانة بالنموذج الصيني فيما يخص القوة الناعمة، حيث استطاعت أن تستغل متغير مهم جدا وهو تطورها الاقتصادي، حيث ركزت القيادات والاعلام الصيني على قصة النجاح الاقتصادي للصين بديلا لليبرالية الديمقراطية الغربية، فالاقتصاد الصاعد في الصين يعد عنصرا مساعدا على تزايد جاذبيتها في العالم النامي، فعلى الرغم من تفوق الولايات المتحدة في هذه النقطة الى ان الصين تبذل الكثير من الجهد وأكيد ستحصد نتائج مرضية.
الخاتمة
في الختام على الرغم من الجدل المحتدم بين النخبة السياسية والأكاديمية الأميركية حول مستقبل القوة الأميركية، بل والعاطفية في التعامل مع هذا الوضع إلاأن انهيار هذه القوة الكبيرة ليس بالسهل، ولكنه ممكن، حيث يعتقد كيندي أن الإجابةالمناسبة على التساؤل المركزي حول ما اذا كان بوسع الولايات المتحدة الأمريكيةالاحتفاظ بموقعها الحالي هو لا، إنه غير ممكنفما من مجتمع أو حضارة بقيت متقدمة على المجتمعات الأخرى للأبد، فهذا سيعطل سيرورة التطور التاريخي، ويجمد النمط المتبدل لمعدلات النمو.
ولكن ما يجمع عليه كل من كيندي ونايأن الاستشهاد بالتاريخ لا يعني أن قوة الولايات المتحدة ستتهاوى إلى مراحل منخفضة مثل القوى الرائدة سابقا ” إسبانيا” و”هولندا”، أو أنها ستنشطر مثل الامبراطورية الرومانية، ولا يمكن حتى تشبيهها بالمملكة البريطانية لوجود العديد من الفروق، ولهذا التراجع الامريكي بالنسبة لهم سيكون في شكل تراجع الريادة الاستثنائية الكبيرة إلى معدل طبيعي، حيث من المحتمل تلاشي مكانة الولايات المتحدة الحالية كقوة مهيمنة قائدة للنظام الأحادي، وتتحول إلى قوة كبيرة متطورة فقط.
ومن منظور آخر وبالنظرإلى دورة الحضارات أي تلك الأطوار والمراحل التي تمر بها حضارة أو مجتمع (أمة) أثناء حركتها هي واقع لا يمكن تجاوزه، وكما تحدث عن هذه الدورة الطبيعية ابن خلدون ومالك بن نبي، فلكل حضارة عمر معين وسقوطها حتمية تفرضها عليها المستجدات في النظام الدولي والتحولات في موازين القوى والظروف الاقتصادية والاجتماعية ولما لا حتى المناخية.
مستور شروق
باحثة وكاتبة في العلاقات الدولية
مراجع المقال
1- بول كيندي، نشوء وسقوط القوى العظمى، ( ترجمة مالك البديري)، الاهلية للنشر والتوزيع، ط3، بيروت
2- عادل رفيق، بول كينيدي: هل صعود الصين يعني سقوط أمريكا؟، المعهد المصري للدراسات، 15.10.2021
3- عمرو عبد العاطي، هل انتهى القرن الأميركي؟،مركز الجزيرة للدراسات،19.04.2015
4- السيد محمد، الصين تخطط لإنهاء هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي، موقع العربية،02.07.2021
5- د م، بعد انسحابها من أفغانستان – هل يصبح جنوب شرق آسيا محور اهتمام أمريكا؟، Deutsche Welle، 02.09.2021
6- د م، أقوى اقتصاد غارق بديون تريليونية.. تَعرَّفْ الديون الأمريكية الكبرى بالعالم، trt عربي،21.10.2021
7-Joseph S. Nye, Jr. The Future of American Power: Dominance and Decline in Perspective, Foreign Affairs,Vol. 89, No. 6, The World Ahead (2010) .
8- Countries with the highest military spending worldwide in 2020, in:https://www.statista.com/statistics/262742/countries-with-the-highest-military-spending/.