تتعزز المكانة الجيو- سياسية للجزائر، في إفريقيا والمتوسط من يوم لآخر، عقب التوجه القوي نحو تفعيل أدوات الدوار الاستراتيجي المنوط بها. ويمكن لها أن تقفز على سلم تصنيفات البلدان الطموحة، إلى مرتبة غير متوقعة إذا ارتفع نسق استغلال المؤهلات الوطنية.
جاءت مقابلة رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، مع ممثلي وسائل الإعلام الوطنية، عقب أحداث بارزة وقرارات كبرى شهدتها البلاد في الأسابيع القليلة الماضية، ليؤكد مدى الترابط بين كل ما ينجز على أرض الواقع في مختلف القطاعات لخدمة هدف استراتيجي واحد هو: «كرامة الجزائريين ومكانة الجزائر الدولية».
وخلال السنتين الماضيتين، كان واضحا حجم التغير الذي طرأ على نبرة خطاب الجزائر الموجه للخارج، في إطار الانتقال من معادلة «تسجيل الحضور بالموقف» إلى معادلة «الحضور بالدور والتأثير».
ولأن المكانة الدولية لأي بلد تحتكم إلى ظروفها الداخلية، فقد شهدت البلاد حالة تعاف سريع جدا، وأقرت السلطات العمومية بالتوازي مع ذلك مسار «اليد الممدوة» ومبادرة لمّ الشمل، والذي بلغ مراحل جد متقدمة.
الرئيس عبد المجيد تبون، كشف أن المبادرة انطلقت فعليا العام الماضي، وستتوج بالقانون الخاص المكمل لقانوني الرحمة والوئام المدني، ومن ثم إعطاء بعد جديد للمصالحة الوطنية، وكل هذا بإشراك الشعب الجزائري والعمل وفق ما يريده هو دون غيره.
وفي إشارة لاجتياز البلاد، مرحلة فاصلة ومميزة من تاريخها، في ستينية استقلالها، عبر عنها الرئيس تبون بالقول: «ما بعد ألعاب البحر الأبيض المتوسط ليس ما قبلها» و»ما بعد الاستعراض العسكري ليس ما قبله».
وبمنظور السياسة، برأي مراقبين، فإن الجزائر رسخت مكانتها المتوسطة والإقليمية كدولة ناجحة أحبطت مؤامرات كل مخابر صناعة الفشل واليأس والإحباط، وكل ذلك يأتي تحت راية بارزة هي «استعادة الجزائريين لنخوتهم وكرامتهم ووحدتهم الوطنية»، مثلما قال رئيس الجمهورية.
وفي مناسبة مميزة، كعيد الاستقلال، أكدت الجزائر أنها «دولة كاملة السيادة، قوية داخليا، وتنظم استعراضا عسكريا، يحتفي فيه الشعب بجيشه سليل جيش التحرير الوطني». وفي السياق، أكد رئيس الجمهورية أن «الجزائر دولة عظمى في إفريقيا والمتوسط ولها الحق في تنظيم استعراض عسكري».
وإذا كان «الحسد» واقعا محركا للتنافس بين الدول، فقد وجد الطريق لإبرام تحالفات خفية لكبح أدوات الإقلاع التي تمتلكها الجزائر لعدة سنوات. وأكد رئيس الجمهورية ذلك عند حديثه عن الأطراف «التي تحسدنا على دورنا الإقليمي» وعن «الجهات الداخلية التي عطلت، عمداً، استغلال المقدرات الوطنية لإحداث النهضة الاقتصادية وخاصة في مجال الغاز والبترول».
واستطرد قائلا: «للأسف يجهلون أن دور الجزائر الإقليمي وفي الساحل وإفريقيا طبيعي، ولا أحد يستطيع حرمانها من القيام بدورها الاستراتيجي»، مضيفا «أن لديها إمكانات لعب دورها الاستراتيجي».
هذه العبارة الأخيرة، تفرض، بحسب مراقبين، وضع سطرين تحتها والعودة إليها في كل مرة للتقصي عن «المكانة الطبيعية للجزائر» والتي تعني «ما يجب عليها أن تكون؟» وما «يفترض لها أن تكون؟».
الرئيس تبون، أعطى إجابة قوية على هذين التساؤلين، كانت عنوانا بارزا في تفاعل الصحافة الدولية مع مضمون حواره، وذلك حينما أعلن عن «قدرة الجزائر على الانضمام إلى مجموعة بريكس (ائتلاف اقتصادي وسياسي لدول البرازيل، روسيا، الهند، الصين وجنوب إفريقيا)».
وولوج هذه المجموعة، التي تضم أكبر دول العالم مساحة جغرافية، وبتعداد سكاني يشكل 40٪ من سكان المعمورة، ليس طموحا أو هدفا بعيدا، فقد أكد رئيس الجمهورية «امتلاك الجزائر لنسبة كبير من شروط الالتحاق بالبريكس».
ويعني امتلاك القدرة إلى تحالف هذه البلدان، حيازة الاقتصاد الوطني على مقومات «سرعة النمو»، والثقة الكاملة في تحقيق نتائج جدا إيجابية على الأمد القصير، بعد إطلاق المشاريع الهيكلية الكبرى، خاصة في البنى التحتية والموارد الطبيعية.
وإلى جانب الاكتشافات المحققة مؤخرا والمنتظرة قريبا في قطاع المحروقات، والمشاريع المنجمية الضخمة في كل من غار جبيلات (الحديد) ووادي الحدبة (الفوسفات)، ستتغير كل المؤشرات الاقتصادية للجزائر.
ولم يخف الرئيس تبون، أن من الأهداف الاستراتيجية للبلاد، تحقيق الاكتفاء الذاتي في مادتي القمح والشعير، مشيرا إلى تحديد هدف مضاعفة الإنتاج بـ60٪ السنة المقبلة، مقارنة بزيادة قدرها 10٪ هذه السنة.
تحرك الجزائر على الزراعية الاستراتيجية تم قبل سنتين وبطريقة استشرافية، نظرا لقوة الغذاء (القمح) كسلاح فتاك، وأثبتت الأزمة الروسية- الأوكرانية، سداد الرؤية الجزائرية، في وقت تتخوف كثير من الدول المتقدمة من انهيار اقتصادي جراء ندرة الموارد الأساسية.