استقطبت منطقة الشرق الأوسط الأسبوع الماضي أنظار العالم واهتمامه، بعد أن استقبلت الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي زار فلسطين حيث التقى بالرئيس محمود عباس، قبل أن يحلّ بالسعودية ويعقد قمة جدة للأمن والتنمية بمشاركة قادة 9 دول عربية.
«الشعب ويكاند» تعود اليوم مع الأستاذ فؤاد جدو لتقف عند نتائج هذه القمة، ولتبحث في خلفيات الاهتمام الأمريكي بالشرق الأوسط، خاصة بعد أن قال بايدن لقادة دول الخليج وثلاث دول عربية أخرى خلال لقائه بهم في جدة، أن «واشنطن لن تتخلى عن الشرق الأوسط، حيث تؤدي منذ عقود دورا سياسيا وعسكريا محوريا، وأنها ستعتمد رؤية جديدة للمنطقة الإستراتيجية ولن تسمح بوجود فراغ تملؤه قوى أخرى».
كما توقّف الأستاذ جدو عند مسائل عديدة أخرى بينها مقاربة الأمن والتنمية الجديدة في المنطقة، وما يتردد عن إمكانية إنشاء تحالف عربي تحت مسمى «ناتو عربي».
الشعب ويكاند: بداية ما المقصود بالشرق الأوسط ؟
الأستاذ فؤاد جدو: يعتبر مصطلح الشرق الأوسط مصطلحا سياسيا أكثر منه أكاديميا، فهو يعبّر عن فضاء جغرافي تمتد حدوده من مصر غربا إلى إيران شرقا، ومن تركيا شمالا الى حدود دول الخليج جنوبا، وبالتالي هو امتداد لخليط من الدول في هذا الشريط الجغرافي الممتد بين إفريقيا وآسيا.
في الحقيقة استخدام هذا المصطلح كان الهدف منه أساسا إعادة تعريف المنطقة العربية بعد بروز الكيان الصهيوني سنة 1948، حيث أدى وجود هذا الكيان الغاصب والاعتراف به من طرف القوى الكبرى إلى توظيف هذا المصطلح حتى يصبح أكثر قبولا لدى الجميع، الذين يعترفون بهذا الكيان أو لا. ونجد أحيانا أخرى استخدام مصطلح الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من طرف بعض المنظمات الإقليمية والدولية حتى لا تستخدم ما كان يعرف بالمنطقة العربية أو الوطن العربي.
لماذا نسجّل كلّ هذا الاهتمام بالشرق الأوسط؟
لأهمية منطقة الشرق الأوسط، كانت هناك العديد من المحاولات عبر التاريخ خصوصا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية أين كانت أول المبادرات، وهي حلف بغداد الذي تأسس سنة 1955، والذي جاء في إطار الحرب الباردة، حيث تم إنشاؤه للوقوف ضد المد الشيوعي لكنه فشل بعد ذلك إلا أن المنطقة عرفت العديد من الحروب والمشاكل السياسية منها الحرب العراقية الإيرانية، والحروب العربية الإسرائيلية، والحرب الأهلية اللبنانية الى غاية حرب الخليج الثانية وغزو العراق 2003، وبالتالي هذه المنطقة شديدة التوتر والصراع، وتبقى القضية الأهم القضية الفلسطينية التي لا تزال محور الاحداث في الشرق الأوسط.
إلا أن أحداث 11 سبتمبر 2001 أدت الى بروز اهتمام خاص بالمنطقة خاصة من طرف الولايات المتحدة الأمريكية، أين اقترحت ما يعرف بمشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير، والذي كان يهدف الى تقسيم المنطقة الى دول وفق معايير جديدة مثل العرق والأقليات واللغة، وغيرها بما يحقق الأمن والاستقرار وفق المنظور الغربي والسلام لإسرائيل تحديدا، إلا أن هذا المشروع لم ينجح ولم يلق تجاوبا من طرف الدول العربية.
وبالتالي نجد أن هذه المنطقة لأهميتها كانت ولا تزال مركز تأثير وتأثر إلى يومنا هذا.
سمعنا في الآونة الأخيرة تردّد مصطلح غريب بعض الشيء وهو «حلف ناتو عربي»، فما حقيقة هذا المصطلح؟
لقد أجابت قمة جدة للأمن والتنمية المنعقدة مؤخرا على هذا السؤال من خلال نفي وزير الخارجية السعودي لأي تحالف دفاعي مع إسرائيل، حيث أكّد فيصل بن فرحان، عدم وجود تحالف خليجي مع إسرائيل، وأنه لا وجود لما يسمى بالناتو العربي، ولم يطرح بتاتا أي نوع من التعاون العسكري أو التقني مع إسرائيل.
وأوضح أنّه «لا يوجد شيء اسمه ناتو عربي، وهذا غير مطروح، لكن المملكة العربية السعودية طرحت منذ خمس سنوات تقريبا، تكوين منظومة دفاع عربي مشترك».
وتساءل الوزير السعودي، عن مصدر هذه الأخبار، منوها إلى عدم طرحها أو مناقشتها في القمة أو قبلها».
وكان وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، ردّ على الأخبار الرائجة خلال الفترة الماضية بخصوص تشكيل تحالف للدفاع الجوي يضم دولا عربية، فضلا عن الكيان الصهيوني، وأشار إلى أنه لم يتم طرح أي شيء على الأردن يتعلق بمنظومة دفاعية يكون الاحتلال الإسرائيلي جزءا منها، قائلا: «لم يطرح علينا «ناتو» بمعنى ما قيل في الإعلام، لا يوجد حديث حول منظومة دفاعية إقليمية تكون إسرائيل جزءا منها».
وردّا على سؤال حول تشكيل تحالف عربي مع إسرائيل لمواجهة إيران، شدّد الوزير على أن هذا الأمر ليس مطروحا، مضيفا أن ما طرح بخصوص تحالف عربي تشارك فيه تل أبيب لمواجهة إيران لم يسمع به الأردن، ولم يطرح على المملكة.
وقبل هذا النفي، كثر الحديث عن هذا الحلف، وقال كثيرون أنه يأتي في سياق التحولات التي تعرفها المنطقة سياسيا وعسكريا خاصة بعد الحرب الروسية الأوكرانية، حيث حدثت جملة من الإنكشافات في النواحي السياسية والاقتصادية في ما يتعلق بالأمن الغذائي واختلال سلاسل الإمداد الخاصة بالقمح أساسا والزيت، بالإضافة الى مشكل الطاقة وتحديدا الغاز، ومنطقة الشرق الأوسط تقع في حدود التماس مع هذه المنطقة المتأزمة مما يجعل التفكير في آليات بديلة للقوى التقليدية في المنطقة أمرا مهما.
كما كثر الحديث عن أن هذا الحلف الذي سيكون في مجال الدفاع الجوي سيجمع الدول المشتركة في التفكير، أي التي لها نفس المبادئ في السياسة والتوجهات الدولية والإقليمية، وأيضا تشترك في نفس التهديدات الأمنية وحتى العدو، وسيكون بمثابة آلية جديدة تدعم الأمن الإقليمي خاصة وأن الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني ستكونان جزءا منه.
برأيكم هل تحتاج الدول العربية إلى مثل هذا الحلف؟
نتساءل هنا: هل فعلا تحتاج الدول العربية لتحالف عسكري؟ الجواب يمكن أن نقدّمه عبر السيناريوهات التالية:
السيناريو الأول وهو الفشل، بمعنى بقاء الأمر في شكل مبادرة لا غير، خاصة وأن الدول العربية تربطها اتفاقيات دفاع مشترك بموجب ميثاق جامعة الدول العربية، وأيضا اتفاقيات دول الخليج العربي، وبالتالي هناك آليات تجمع الدول العربية من أجل تعزيز التعاون مع بعضها البعض ولا تحتاج إلى حلف جديد.
السيناريو الثاني وهو إتمام المشروع برعاية أمريكية وبشراكة مع الكيان الصهيوني.
وبين السيناريوهين، يبقى الاعتقاد الكبير، أن هذا التكتل أو التحالف الجديد لا يعتبر أولوية بالنسبة لشعوب المنطقة خاصة من الناحية العسكرية، كما توجد أولويات تنتظرها شعوب المنطقة وهي التنمية والتعاون أكثر منها التصارع التي انتجت كوارث كما هو الحال في سوريا، وبالتالي أهم آلية لتعزيز الأمن والاستقرار هو التنمية في المنطقة وأي مشروع لا يهدف لهذا سيفشل حتما خاصة مع مشكلات الغذاء الراهنة.
ما هي المقاربات التّنموية والأمنية الجديدة في المنطقة على ضوء قمّة جدّة؟
جاءت قمة جدة للأمن والتنمية في ظل تحولات إقليمية ودولية تتميز بتصاعد مستويات الصراع بين الدول وخاصة انعكاسات الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها من أزمة الغذاء والطاقة، وهذا ما يعكسه عنوان القمة «الأمن والتنمية»،
وبالتالي هذين المحورين هما نقاط الارتكاز في العلاقات التي تربط الولايات المتحدة الأمريكية ودول المنطقة، حيث شاركت 9 دول عربية وهي المملكة العربية السعودية والامارات والبحرين والعراق وقطر ومصر والكويت وسلطنة عمان والأردن، ومن خلال البيان الختامي للقمة نجد أن الدوافع الرئيسية للولايات المتحدة الامريكية هي الطاقة وأمن إسرائيل، واعتقد أن الولايات المتحدة طالبت السعودية من خلال هذه القمة بزيادة إنتاج النفط، ولأول مرة يأتي الرد السعودي على هامش القمة بأنّ السعودية لا يمكنها أن تتجاوز الحد المتفق عليه في قمة أوبك، وأنّ حدود الطاقة الإنتاجية للسعودية بلغت ذروتها، وبالتالي لا يمكن الاستجابة للمطلب الأمريكي، وهذا يبين أن القرار السعودي مبني على معطيات تقوم على الأمن الطاقوي تحديدا وأنها في موقف قوة في ظل المتغيرات الدولية الراهنة.
من جانب آخر، تضمن البيان رؤية حول التحالفات التي تم الإشارة اليها من قبل، والتي جاءت في سياق تصريح العاهل الأردني حيث نفت السعودية قيام تحالف عسكري مع إسرائيل، وهذا يؤكد على أن ما طرح غير ممكن لكن هذا لا ينفي أن يكون التحالف خارج إسرائيل وبشراكة عربية أمريكية، وإن كان التعاون في ما بين دول المنطقة والولايات المتحدة قائما بنص البيان من خلال تعزيز التعاون الاستخباراتي والعسكري وضمان امن المنطقة من خلال إنشاء ما يعرف قوة المهام المشتركة 153، والتي تجمع بين دول الخليج والولايات المتحدة الامريكية وإبقاء ايران كمصدر للتهديد في المنطقة، وهذا ما اتفق عليه.
هل وضعت قمّة جدّة للأمن والتنمية مقاربة لنظام إقليمي جديد؟
من خلال ما طرح في هذه القمة، هناك رسائل ما بين الدول العربية في المنطقة والولايات المتحدة الأمريكية، بداية وهو التصريح الذي أدلى به العاهل الأردني سابقا حول ما يعرف بالناتو العربي، والذي اعتبره البعض كبالون اختبار لردود الفعل العربية والأطراف الدولية في المنطقة، حيث قال في مقابلة أجرتها معه قناة «سي إن بي سي» الأمريكية، إنه يدعم تشكيل تحالف عسكري في الشرق الأوسط، على غرار حلف شمال الأطلسي «الناتو»، كما جاء تصريح الرئيس الأمريكي في هذه القمة بان الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال شريكا موثوقا فيه لضمان أمن المنطقة خاصة بعد المواقف الأمريكية والأوروبية اتجاه الأزمة الأوكرانية وعودة الولايات المتحدة الى الملف الفلسطيني من خلال التراجع عن قرارات الرئيس السابق ترامب في ما يتعلق بالدعم المالي للسلطة الفلسطينية ومنظمة الأونروا بمبلغ يقارب 300 مليون دولار مع إبقاء أمن إسرائيل خطا أحمر، وتشكيل تحالفات عسكرية بين الدول العربية والولايات المتحدة لمواجهة التهديدات الأمنية في المنطقة.
وتعتبر خطوة فتح الأجواء السعودية أمام الطيران الدولي بدون استثناء، مؤشرا على بلورة تكتل اقتصادي على الأقل يقوم على تعزيز المصالح المشتركة لدول المنطقة وقد نفت السعودية أن هناك تطبيعا مع الكيان الصهيوني.
في الأخير تبقي منطقة الشرق الأوسط من بين أهم المناطق التي تعرف تجاذبات سياسية وأمنية من طرف القوى الإقليمية والدولية، خاصة مع التحولات في الأمن الطاقوي أين زادت هذه الأهمية من خلال ضمان أمن المنطقة، وفق ثنائية الأمن والتنمية.