تثير عودة الاهتمام الأمريكي بمنطقة الخليج والشرق الأوسط تساؤلات حول الهدف من ورائها بعد انسحاب شبه تام منها.
هذا ما يناقشه مقال في مركز “انترريجيونال للتحليلات الاستراتيجية”، بعنوان ” عودة الانخراط: ملفات زيارة بايدن الأولى إلى منطقة الشرق الأوسط”.
وصال بعد تجاهل
بعد تجاهل لمنطقة الشرق الأوسط، وتقليل الانخراط الأمريكي في أزماتها وقضاياها. وخطط إعادة انتشار القوات الأمريكية بالمنطقة في إطار استراتيجية إدارة الرئيس جو بايدن للتوجه تجاه منطقة الهندو–باسفيك. ومواجهة الصعود الصيني. أعلن البيت الأبيض، في 14 جوان الجاري، عن الزيارة الأولى للرئيس الأمريكي إلى المنطقة منذ توليه منصبه. وتستمر أربعة أيام 13 إلى 16 جويلية المقبل. وسيزور بايدن “إسرائيل” والضفة الغربية، ثم السعودية، وسيلتقي الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وسيحضر قمة تضم قادة دول مجلس التعاون الخليجي الست، إضافة إلى مصر والعراق والأردن.
تحول المقاربة
تكشف الزيارة عن تحولات في المقاربة التي تبنَّتها إدارة جو بايدن للتعامل مع حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. بعد أن شهدت العلاقات بين واشنطن وعدد من حلفائها الإقليميين بعض التوترات والإشارات التي أرسلتها إدارة بايدن حول التحلل من التزاماتها الأمنية والسياسية تجاه المنطقة وقضاياها. ناهيك عن بعض السياسات التي تم تفسيرها بأنها تخلٍّ من قبل إدارة “بايدن” عن دعم مصالح حلفائها. وذلك على غرار القرار الذي اتخذته واشنطن برفع ميليشيا الحوثي من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية.
وعلى الرغم من هذه الإشكالية التي باتت تعترض العلاقات بين واشنطن وحلفائها في المنطقة، وتعدد القضايا الخلافية بين الجانبين. اضطلعت عدد من العوامل الرئيسية بدور مهم في إحداث بعض التغيير في الموقف السلبي لإدارة بايدن إزاء حلفاء الشرق الأوسط.
قد يكون أهمها تداعيات الحرب في أوكرانيا التي كشفت عن عدم قدرة واشنطن على إقناع الدول الحليفة لها بالتماهي التام مع سياساتها تجاه روسيا. علاوة على ذلك، كشفت الحرب الأوكرانية عن الأهمية التي تحظى بها منطقة الشرق الأوسط في الحفاظ على توازنات سوق الطاقة عالمياً في ظل الأزمة الراهنة.
كما أن الحديث المتصاعد حول تراجع اهتمام واشنطن بالشرق الأوسط كان له انعكاسات سلبية على السياسة الأمريكية المنطقة. خاصةً أن بعض الأطراف المنافسة لواشنطن، وفي مقدمتها الصين، قد تسعى إلى تعزيز حضورها في المنطقة استغلالاً لحالة التراجع الأمريكي.
أجندة بايدن
يرجح أن تتضمن أجندة الرئيس الأمريكي، خلال زيارته الأولى إلى منطقة الشرق الأوسط، عدداً من القضايا الرئيسية التي تتقاطع على نحوٍ ما مع المصالح الأمريكية.
إعادة صياغة العلاقات الأمريكية–السعودية
مرت العلاقات الأمريكية–السعودية بأسوأ مراحلها منذ تولي الرئيس بايدن سدة الحكم، في ظل الخطاب السلبي الذي تبناه الرئيس الأمريكي تجاه الرياض. ولكن مع اندلاع الحرب الأوكرانية، وما صاحبها من ارتفاع في أسعار النفط بصورة غير معهودة منذ 14 عاماً كتب ستة نواب ديمقراطيين، في 7 جوان الجاري، رسالة إلى الرئيس بايدن قبل زيارته إلى منطقة الشرق الأوسط؛ لحثه على إعادة ضبط التعامل مع المملكة، واتخاذ خطوات لضمان أن تخدم العلاقات الأمريكية–السعودية المصالح الوطنية للولايات المتحدة.
وفي هذا الصدد، فإن زيارة الرئيس الأمريكي إلى السعودية، بما تشمله من لقاءات مع المسؤولين السعوديين، لاسيما ولي العهد السعودي، ستحمل مؤشرات على تحول في السياسة الأمريكية تجاه الرياض.
ويتوقع أن تتضمن تطمينات للمملكة باستمرار الالتزام الأمريكي الاستراتيجي تجاه الشرق الأوسط وتجاه الشركاء الإقليميين. في الوقت الذي تتقدم فيه منطقة الهندو–باسفيك وردع الصين الأجندة الأمريكية.
وكذلك تعزيز الولايات المتحدة القدرات العسكرية السعودية لتكون قادرة على الدفاع عن نفسها ضد التهديد الذي يُشكِّله النظام في إيران ووكلاؤه، لا سيما ميليشيا الحوثي التي تطلق الصواريخ على أهداف مدنية سعودية.
خفض أسعار النفط
أدت الحرب الروسية– الأوكرانية إلى ارتفاع أسعار النفط عالمياً إلى مستويات قياسية. وتخطى سعر برميل النفط حاجز 120 دولاراً للبرميل، وهو الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار البنزين داخل الولايات المتحدة إلى نحو 5 دولارات للجالون. في وقت ترتفع فيه معدلات التضخم إلى مستويات غير معهودة منذ أربعة عقود.
وزادت هذه العوامل من تراجع شعبية الرئيس بايدن. وهددت فرص فوز الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس المقررة في نوفمبر المقبل. والحفاظ على شعبيتهم الهشة بمجلسي الكونجرس (مجلس النواب والشيوخ).
ولذلك سيكون من أهداف زيارة الرئيس بايدن، دفع الدول المنتجة للنفط إلى زيادة إنتاجها أكثر من المعدلات التي اتفقت عليها في تحالف “أوبك+” بقيادة السعودية. في وقت أعلن الاتحاد الأوروبي عن حظر كبير على الإمدادات النفطية الروسية.
ومن المنتظر أن تتم زيادة الإنتاج بنحو 650 ألف برميل يومياً في جويلية/يوليو وأوت/أغسطس القادمَين. بدلاً من الزيادات المُخطَّط لها في السابق البالغة 432 ألف برميل في اليوم.
وكذلك التخلي عن حصص إنتاج النفط التي حددتها السعودية وروسيا ضمن التحالف. وقد وصف الرئيس الأمريكي هذا التحرك بالإيجابي؛ لأنه سيعني ضخ المزيد من النفط في السوق العالمية لخفض أسعاره. ومن ثم، خفض أسعار الوقود للأمريكيين قبل انتخابات نوفمبر المقبل.
عدم كفاية
ولكن هناك تحليلات أمريكية ترى أن زيادة دول المنطقة من إنتاج النفط لن يؤدي إلى خفض أسعاره عالمياً بالصورة التي يتوقعها الرئيس الأمريكي. لأن الزيادة التي تم الإعلان عنها لن تُحدث تحولاً في الأسعار. إذ يستهلك العالم ما يقرب من 100 مليون برميل من النفط يومياً.
فضلاً عن أنه مع انتعاش الصين من إغلاق كوفيد–19، ومزيد من انخفاض الإمدادات الروسية، فإن أسعار النفط سترتفع، ولن تنخفض رعم زيادة دول أوبك من إنتاجها بالفعل.
وتضيف تحليلات أخرى إلى أن ضخ المزيد من النفط قد يقلل أسعاره بعض الشيء. ولكن ليس بالسرعة الكافية لمساعدة الأمريكيين خلال هذا الصيف أو المرشحين الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس.
هدف أمريكي..
خلال السنوات الماضية لعبت واشنطن دوراً هاماً في تحقيق قدر من الانفتاح في العلاقات بين إ”سرائيل” وبعض دول المنطقة. وهو الذي سوَّقته واشنطن باعتباره إنجازاً لها في الشرق الأوسط.
وفي هذا الإطار، ربما يحاول الرئيس جو بايدن أثناء جولته في المنطقة تعزيز العلاقات بين دول الإقليم و”إسرائيل”.واستخدام هذا الأمر للترويج لنجاح سياسته الخارجية في الشرق الأوسط. ومن ثم دعم صورته المهتزة في الداخل الأمريكي.
التعامل مع التهديدات الإيرانية
لم تأخذ المباحثات غير مباشرة مع إيران في فيينا لإعادة إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، الذي انسحبت منه إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في ماي 2018؛ المخاوف الخليجية من البرنامج الصاروخي الإيراني.
ومع إخفاق تلك المباحثات في ظل التمسك الإيراني، والشروط المفروضة أمريكياً. تراجعت حماسة إدارة بايدن لإعادة إحياء الاتفاق. لذلك يتوقع أن يكرر الرئيس الأمريكي علناً خلال لقائه قادة المنطقة، التزام الولايات المتحدة بمنع إيران من حيازة أسلحة نووية. ورفض دورها الإقليمي الذي يهدد استقرار وأمن الشرق الأوسط، وكذلك مناقشة الخطة (ب) في حال الإعلان الرسمي عن فشل المباحثات غير المباشرة في فيينا.
تشكيل تحالف دفاعي إقليمي
سيرتبط بجهود الإدارة الأمريكية للتعامل مع التحدي الإيراني تشكيل تحالف دفاعي يضم دول المنطقة و”إسرائيل”. وهو التحالف الذي أعلنت عنه الحكومة الصهيونية. حيث ذكرت أنها أصبحت طرفاً في شراكة عسكرية إقليمية لمكافحة التهديدات الإيرانية. ويطلق عليه تحالف الدفاع الجوي للشرق الأوسط. وفيه يعمل أعضاؤه مع الولايات المتحدة لمواجهة الصواريخ والطائرات الإيرانية بدون طيار. وقد أكد وزير الدفاع “الإسرائيلي” بيني جانتس، أنه سيعلن عن تفاصيل عن التحالف خلال زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في جويلية المقبل إلى المنطقة.
وسيخدم هذا التنسيق الأمني الجديد الاستراتيجية الأمريكية لمواجهة الصين في منطقة الهندو–باسيفيك، بتقليص الوجود العسكري الأمريكي المكثف في الشرق الأوسط. والاستعاضة عنه بتحالف أمني جديد يتضمَّن قدرات إسرائيل العسكرية والاستخبارية الهائلة.
تحجيم التقارب بين الصين ودول المنطقة
لا تغيب الصين عن أجندة زيارة الرئيس الأمريكي إلى الإقليم. حيث يسعى بايدن إلى حرمان بكين من التمتع بتراجع الدور الأمريكي في المنطقة خلال الأعوام الماضية والمنافسة على مكانة “الشريك الأول” لدى العديد من دول المنطقة.
وذلك بعودة الانخراط الأمريكي في شؤون الشرق الأوسط. ويُتوقع أن يتم التعرض – ولو بأسلوب غير مباشر – لأنشطة الشركات الصينية في المنطقة، وخاصةً التكنولوجية، وتأثيرها على الوجود الأمريكي ومصالح الولايات المتحدة.
كما قد يناقش بايدن مع الحلفاء الإقليميين الاستثمارات الصينية في البنية التحتية والقطاعات الصناعية في دول المنطقة، والمخاوف من تأسيس قواعد عسكرية صينية أو تأسيس نقاط ارتكاز لوجود عسكري صيني في المنطقة.
استمالة.. بعيداً عن روسيا
تظل الحرب الأوكرانية حاضرة في جولة الرئيس الأمريكي بالمنطقة. خاصةً في ظل معاناة واشنطن في إقناع غالبية دول الشرق الأوسط باتخاذ مواقف معادية أو ناقدة للحرب. والتصويت ضد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في المنظمات الدولية.
وقد حرصت هذه الدول على اتباع موقف أقرب إلى الحياد خلال الأزمة مع وجود توجهات أقرب إلى الموقف الروسي من بعض الدول في المنطقة.
ويسعى بايدن إلى دعوة دول الإقليم إلى تبني مواقف ناقدة للتدخل العسكري الروسي والاصطفاف مع الدول الغربية في المعسكر المضاد لموسكو.
اخفاق ومعضلة مصداقية
ويُتوقع أن يُخفق بايدن في هذه المهمة، نظراً إلى ثبات الإدراك لدى غالبية دول المنطقة بأن مصالحها الوطنية تتطابق مع تجنُّب الانخراط في هذه الأزمة التي تخص الدول الأوروبية والولايات المتحدة في المقام الأول. وعدم الانحياز إلى أي طرف بما يتضمَّن تكلفة غير مبررة.
تتعدد القضايا التي تقف وراء توتر العلاقات الأمريكية مع حلفائها التقليديين في منطقة الشرق الأوسط. لذلك سيكون من العسير معالجتها كلها في زيارة رئاسية واحدة. فضلاً عن أنه لا يمكن حل جميع الخلافات الثنائية دفعة واحدة. فمهما كانت فكرة الصفقة الكبرى مُغرِية، سيجري إصلاح العلاقة – على الأرجح – خطوةً بخطوة.
وهناك تخوف من أن يكون التحول في السياسة الخارجية لإدارة الرئيس “جو بايدن” تجاه شركائها وحلفائها التقليديين بالمنطقة، مرتبطاً بتداعيات الأزمة الأوكرانية. وارتفاع أسعار الطاقة عالمياً وتأثيراتها على الداخل الأمريكي ومستقبله السياسي. وأغلبية حزبه (الحزب الديمقراطي) في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس فقط ليتم التراجع عنها، والعودة إلى تجاهل المنطقة وأزماتها مع انتهاء الأزمة، وعودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل 24 فيفري/ فبراير الماضي.