مراقبة النشاط الدبلوماسي الخليجي خلال الفترة من 2010 إلى الآن يشير إلى المظاهر التالية:
1- تأجيج الاضطراب السياسي داخل الدول العربية بحجة إقامة أنظمة ديمقراطية، في الوقت الذي تقع دول الخليج في ذيل قائمة دول العالم من حيث مكانتها في مؤشر الديمقراطية، ذلك يعني أن المساهمة في تأجيج ما تمت تسميته بـ”الربيع العربي” ليس إلا خلخلة للبنية العربية –على علّاتها- لتوسيع الشقوق في جدران هذه البيئة لتكون أكثر استعدادا للتقارب مع إسرائيل، وهو ما ظهر جليا، ولا علاقة للديمقراطية بالموضوع إلا من باب استثمارها لغرض في نفس “يعقوب”.
2- توظيف التيارات الإسلامية ثم الانقلاب عليها وبقسوة تفوق قسوة الأنظمة التي واجهتها التيارات الإسلامية، وما أن أدت التيارات الإسلامية – في معظمها- هذا التوظيف عربيا وفي أفغانستان بدأ التضييق الخليجي عليها إلى حد الخنق واعتبارها “حركات إرهابية”، وبدأت دول الخليج في مطاردة هذه التيارات وجففت الضرع الخليجي عنها.
3- تسارع إيقاع التطبيع مع إسرائيل ثم العمل على “التطبيع مع إيران وسوريا”، ومن الواضح أن الأمرين مترابطين، فهي محاولة لامتصاص ردّات فعل المعارضين للتطبيع وإظهار القرار السياسي الخليجي بأنه قرار مستقل وليس موحى به من قوى دولية عظمى، فالعلاقة مع سوريا وإيران هي ورقة التوت لستر عورة العلاقة مع إسرائيل.
4- دبلوماسية “العتب” مع الولايات المتحدة ودبلوماسية “المجاملة في القطاع الطاقوي مع روسيا”، ويبدو أن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، والتركيز على منطقة الهادئ على حساب الشرق الأوسط خلقا هواجس لدى صناع القرار الخليجي، لكن التغلغل الأمريكي والبريطاني في نخاع الأنظمة الخليجية سيدفع تلك النظم إلى عدم تجاوز حدود “دبلوماسية العتاب”، كما أن البراغماتية الأمريكية قادرة على امتصاص الاحتقانات العابرة مع “بعض قيادات الخليج”، على غرار ما جرى في موضوع خاشقجي أو غيره.
ناهيك عن القدرة الأمريكية على استثمار الطموحات الصامتة والمتنافسة بين “بعض” القادة الخليجيين بخاصة بين موهومي التنمية من ناحية وراود دبلوماسية الإنابة من ناحية ثانية.
أما العلاقة مع روسيا فمن الضروري التنبه إلى أن روسيا بوتين ليست “روسيا بريجنيف”، فالمد الشيوعي الذي كان مقلقا للنظم الخليجية أصبح فقط في كتب التاريخ، والتقرب من روسيا قد يتم استخدامه للمقايضة معها في علاقات روسيا وإيران، وهي علاقة تهم دول الخليج كثيرا سواء في الساحة السورية أو البرنامج النووي الإيراني أو الموقف من التيارات العربية ذات الصلة بإيران.. الخ.
5- التنافس الصامت بين قيادات الخليج، ولعل متابعة “مضمون” القنوات الإعلامية الخليجية المقروءة والمسموعة والمرئية تكشف عن قدر ليس يسيرا من الترويج لأخبار أو نقل تصريحات أو عرض برامج ذات إيحاء تشكيكي من دولة خليجية لدولة خليجية أخرى، ومع ذلك تسعى الدبلوماسية الخليجية إلى الظهور بمظهر التماسك الخليجي ووحدة الموقف ولو في مستوى اللياقات الدبلوماسية.
6- إشكالية القرار الخليجي الجماعي: يبدو لي أن زعماء الخليج السابقين” تمكنوا من وضع قواعد للعلاقة بين دولهم من خلال، طول الفترة التي قضوها في الحكم كل في بلده، مما جعلهم قادرين على وضع قواعد وتقاليد مشتركة تقوم على الاحترام المتبادل، ناهيك عن الضغط الأمريكي للتنسيق في اللحظات الحرجة.
كما أن القادة القدامى كانوا أكثر احتراما للقواعد الاجتماعية والصورة الذهنية للمجتمع، بينما يغلب على القادة الجدد أنهم أقل تحسسا لمنظومة قيم مجتمعاتهم “المحافظة جدا”، كما أن أعمارهم تجعلهم أقل خبرة في تعقيدات الحياة الدولية، كما أنهم لم يتمكنوا من ترسيخ قواعد أصول المعاملات الدبلوماسية بينهم، نظرا لأن عمر تعايشهم ما زال قصيرا خلافا لآبائهم.
تعلمنا من الهندسة التقليدية أن الخطوط المتوازية لا تلتقي، لكنها في الخليج تلتقي، ولكن ما هو الثمن؟ ربما تحويل الهندسة إلى جبر.