تشير مواقف الدول العربية من الأزمة الأوكرانية إلى رفض واضح للمطالب الغربية والأمريكية خصوصا، لاتخاذ موقف معاد لروسيا، وهو ما يعني شعور هذه الدول بتغير موقف الولايات المتحدة الأمريكية إزاء منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي يتعين عليهم إيجاد بديل يعتمدون عليه.
نشر البروفيسور وليد عبد الحي ورقة بحثية حول تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية على المنطقة العربية والقضية الفلسطينية، تناول فيها مؤشرات التغير وتوجهات الدول العربية لبا بعد التراجع الأمريكي. ومآل القضية الفلسطينية في ظل الهجرة اليهودية من روسيا وأوكرانيا.
الشرق الأوسط
يتحدث كاتب المقال عن التغيرات الحاصلة في القوتين المتنافستين روسيا الفدرالية والولايات المتحدة الأمريكية. فالأولى تحاول منع استمرار التفكك الذي أصاب الاتحاد السوفييتي من الوصول إلى مركز الدولة.
بينما تحاول الثانية الحفاظ على مكانتها وتقليل تسارع تراجعها الذي حذر منه منظرون امريكيون منذ ثمانينات القرن الماضي.
حيث ترجع الكتابات تقهقر القوة الأمريكية إلى تبعات التوسع لتواجدها عبر مختلف مناطق العالم. والأعباء التي تتحملها بسبب ذلك. وقد تزايدت هذه الدراسات منذ عقدين تقريبا.
وفي 2008 تنبأت دراسة مجلس المخابرات الوطني الأمريكي National Intelligence Council، بتحول النظام الدولي على التعددية القطبية، بظهور قوى كبرى جديدة على الساحة الدولية.
إلى جانب ظهور كيانات ما دون الدولة وما فوقها، إلى جانب انتقال الثروة من الغرب إلى الشرق. كما أشارت الدراسة إلى أن الفوارق بين الأقاليم ستقل في النظام الدولي القادم بحلول سنة 2025.
هذا التراجع يمتد إلى التواجد الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية على وجه التحديد. واتضح ذلك من خلال خطة الرئيس الأمريكي جو بايدن.
وتجلى هذا التأثر من خلال عدم استجابة الدول العربية لعدد من المطالب الأمريكية ضد روسيا على خلفية الحرب بين روسيا وأوكرانيا. وهذا يفسر بشعور العرب بالتغير النسبي لمكانة الشرق الوسط في الإستراتيجية الأمريكية.
وهذا دفع بعض الدول العربية إلى تعويض الفراغ الأمريكي إما بالتقرب من الكيان الإسرائيلي، أو التقارب مع تركيا أو تكريس نزعة التحالف ضد إيران، من أجل مواجهة الخصوم الداخليين.
روسيا والتناقضات العربية
أما بالنسبة لروسيا فيتعين عليها التوفيق بين تناقضات القوى الإقليمية في الشرق الأوسط والمنطقة العربية. ويتمثل ذلك في:
التوفيق بين مصالحها والتناقضات الإيرانية مع الكيان الإسرائيلي. وبين إيران وبعدد من الدول العربية والخليجية على وجه التحديد.
وكذلك التوفيق بين بين المتطلبات الأمنية الإسرائيلية في سوريا، والمتطلبات الأمنية لسوريا إلى جانب إشكالية التوفيق بين الالتزامات الروسية تجاه الحقوق الفلسطينية من ناحية، والمتطلبات الإسرائيلية من ناحية أخرى.
من جهة أخرى يجب على روسيا التوفيق بين الدول العربية التي تعتمدج على السلع الروسية المدنية وتلك التي تستورد سلعا عسكرية؟، حيث كثيرا ما توجد خلالافات بين هذين الفريقين.
وفي ظل العقوبات المفروضة على روسيا، التي تتعلق أساسا بالسلع المدنية، فإنها ستحتاج أكثر إلى دول المجموعة الأولى. ومن هنا فإن العلاقات العربية الروسية معرضة في المستقبل القريب إلى تذبذب قد يكون حاداً في بعض الأحيان. ويستدل الكاتب بالأرقام حول حجم الواردات من السلع المدنية والعسكرية وترتيب الدول العربية. ( انظر الرابط أسفله).
من جهة أخرى يرى الكاتب أن إسرائيل سوف تحاول اللعب على وتر الوساطة بين الطرفين، من أجل زرع فكرة مفادها انها محبة للسلام، وبالتالي خنق المقاومة الفلسطينية. والتأثير على مفاوضات فيينا بشأن الملف النووي الإيراني. خاصة وان روسيا هي أحد أطراف المفاوضات.
البُعد الفلسطيني
بالنسبة لتأثير الأزمة الوكرانية على القضية الفلسطينية، يتناول البروفيسور وليد عبد الحي المسألة بنسب مئوية حول موقف اليهود في الكيان الإسرائيلي مما يحدث هناك.
وتشير النسب التي استدل بها إلى أن 76 بالمائة يؤيدون أوكرانيا، و10 بالمائة يؤيدون روسيا، بينما يؤيد 51 بالمائة الحياد ويعارضه 34 بالمائة. ويعزو الكاتب موقف الكيان الإسرائيلي إلى رغبت حكومته في الموازنة بين الجانبين الأوكراني والروسي بما يحفظ مصالحها.
أما بالنسبة لفلسطين، فإن الأزمة األوكرانية ستفتح باب هجرة يهود روسيا وأوكرانيا إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة. حيث أعلن وزير الهجرة الإسرائيلي بنينا تامانو شاتا Pnina Tamano-Shata عن استعداد “إسرائيل” لاستقبال آلاف المهاجرين “اليهود” من أوكرانيا.
ويقدّر معهد بحوث السياسة اليهودية Institute for Jewish Policy Research أن عدد اليهود في أوكرانيا الذين يمكن أن يستفيدوا من قانون العودة الإسرائيلي، ويهاجروا لـ”اسرئيل” من أوكرانيا هو قرابة 200 ألف يهودي،[22] يتركزون في كييف، ودينيبروبتروفيسك، وخاركوف، وأوديسا. مع ملاحظة أن هذه المدن هي موضع قتال شرس فيها أو حولها، وهو ما يشدد الضغوط على يهود هذه المدن للهجرة.
لكن “تقريراً للقناة الفضائية الإسرائيلية 13 يشير إلى أن صورة الاضطراب العام في الشرق الأوسط، وآثار معركة “سيف القدس” تدفع أغلبية يهود أوكرانيا للتردد في الهجرة أو للتوجه نحو دول أخرى غير “إسرائيل”.
وقد أشارت وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أن قرابة 50% فقط من اليهود الأوكرانيين الذين يريدون مغادرة أوكرانيا يريدون الذهاب لـ”إسرائيل”؛ مع ملاحظة أن أوكرانيا تمنع الهجرة للذكور ممن تقع أعمارهم بين 18 و60 عاماً”
وتعمل وزيرة الداخلية الإسرائيلية أييلت شاكيد Ayelet Shaked التي تتوقع وصول عشرات الآلاف من يهود أوكرانيا على تسهيل الهجرة اليهودية من أوكرانيا، وطالبت بعدم إخضاع اليهود لبعض القيود الأمنية عند الوصول. مع الإشارة إلى احتمال تجميعهم مؤقتاً في معسكرات في صحراء النقب.
لكن يشير الكاتب إلى عراقيل قد تعترض هذا المسعى وهي التمييز بين اليهودي من أربعة أجدا يهود أو من جدين فقط ( بمعنى هل أبواه يهوديان ام أحدهما فقط).
ويشير أيضا إلى سعي الكيان الإسرائيلي إلى الدفع بالقضية الفلسطينية على الخف في ظل الأوضاع الدولية الحالية، في وقت يطغى ضعف شديد على القيادة الفلسطينية.
ويقدم البروفيسور وليد عبد الحي عددا من التوصيات قصد استثمار الأوضاع الحالية لخدمة القضية الفلسطينية من قبيل: أن تثبيت استقلال جمهوريتي دونتيسك ولوغانسك سيعزز من فكرة حق تقرير المصير، وهذا يعزز حق لفلسطينيين في إقامة دولتهم.
وكذلك تعزز مساندة الغرب حق أوكرانيا في مقاومة روسيا حق الفلسطينيين في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي إسقاط أكذوبة “الإرهاب” لوصف المقاومة الفلسطينية.
إلى جانب العمل على فضح ممارسات الكيان الإسرائيلي، الذي يستغل انشغال العامل بأوكرانيا من اجل مزيد من التضييق والقمع ضد الفلسطينيين.
الانعكاسات الاقتصادية
يرى الكاتب أن الآثار المباشرة للأزمة على الاقتصاد الفلسطيني تتجلى في جانبين:
أ. ارتفاع أسعار الوقود والقمح سيزيد من أعباء الموازنة الفلسطينية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، لا سيّما إذا علمنا أن 70% من السلع يتم استيرادها من الخارج.
وقد ارتفع سعر الطحين قرابة 30%، علماً أن 35% من هذه المادة تأتي من روسيا، كما ارتفعت أسعار الزيوت بمعدل 7% والسكر 10%، وكل ذلك سيؤثر على نسب التشغيل في المنشآت الإنتاجية، وبالتالي رفع نسبة البطالة التي تصل حالياً إلى ما يقارب الـ 50%.[55]
ب. تخفيض المساعدات الأوروبية للسلطة الفلسطينية إلى 10 بالمائة على خلفية اعتبار المجر أن مناهج التعليم في فلسطين معادية للسامية، وزادت الأزمة الأوكرانية هذا القرار حدة.
أما بالمسبة لكيان الإسرائيلي فإن تأثير الأزمة على المدى القصير غير معتبر، أما إذا طالت عندها ستتضح الآثار. خصوصاً من زاوية الالتزام الإسرائيلي بالحصار الاقتصادي الدولي على روسيا.
خلاصة
ويخلص الكاتب إلى أهم الملامح في انعكاسات الأزمة على القضية الفلسطينية وهي:
- إن الطرف الإسرائيلي في موقف دبلوماسي حرج خصوصاً إذا تصاعدت الأزمة، لأن موقف الحياد في هذه الحالة سيكون مكلفاً لـ”إسرائيل” من أحد الطرفين.
- إن الأولوية لـ”إسرائيل” هي جلب أكبر قدر من يهود طرفي الأزمة خصوصاً الأوكرانيين إلى فلسطين المحتلة.
- إن احتمالات نجاح الطرف الإسرائيلي في القيام بدور الوسيط تبدو ضئيلة للغاية.
- إن ارتفاع أسعار مصادر الطاقة والقمح سيكون له عبء على الطرف الفلسطيني أكثر منه على الطرف الصهيوني.
- تكريس فكرة ازدواجية المعايير في المواقف الغربية من الصراعات الدولية، وهو ما تشير له ردات فعل نخب أوروبية وأمريكية مختلفة.
- إن الانتصار الروسي قد يكرس فكرة التعدد القطبي الدولي، وهو أمر قد يكون له “بعض النتائج الإيجابية” على درجة الانحياز ضدّ الفلسطينيين في اتجاهات السياسات الدولية من القضية الفلسطينية.
- من الضروري على أطراف محور المقاومة تصعيد عمليات المقاومة لجعل فلسطين نقطة غير جاذبة ليهود أوكرانيا أو حتى يهود روسيا، ودفعهم للهجرة إلى مناطق بديلة عن فلسطين المحتلة. ن الضروري على أطراف محور المقاومة تصعيد عمليات المقاومة لجعل فلسطين نقطة غير جاذبة ليهود أوكرانيا أو حتى يهود روسيا، ودفعهم للهجرة إلى مناطق بديلة عن فلسطين المحتلة.تشير مواقف الدول العربية من الأزمة الأوكرانية إلى رفض واضح للمطالب الغربية والأمريكية خصوصا، لاتخاذ موقف معاد لروسيا، وهو ما يعني شعور هذه الدول بتغير موقف الولايات المتحدة الأمريكية إزاء منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي يتعين عليهم إيجاد بديل يعتمدون عليه.نشر البروفيسور وليد عبد الحي ورقة بحثية حول تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية على المنطقة العربية والقضية الفلسطينية، تناول فيها مؤشرات التغير وتوجهات الدول العربية لبا بعد التراجع الأمريكي. ومآل القضية الفلسطينية في ظل الهجرة اليهودية من روسيا وأوكرانيا.الشرق الأوسط