يحاجج المقال بأنّ الأزمة الأوكرانية القائمة بين روسيا والغرب تكشف حدود السياسة الخارجية الصينية في عهد شي جينبينغ.
وتعكس المُعضلة الحرجة التّي وقعت فيها الصين بسبب شراكتها الاستراتيجية مع روسيا ودعمها لمناورات بوتين في أوكرانيا، وتنسيق الزعيمين لسياسات بلادهما في قضايا عالميةٍ عديدة، لاسيما فيما يتعلّق بتحدّي الهيمنة الأمريكية العالمية.
يُناقش المقال أيضًا الأسباب التّي تجعل شِي يقف داعمًا لمناورات بوتين الحاليّة وما الذّي ستستفيده بلاده من ذلك وما الذّي ستخسره أيضًا. مُحاججًا بأنّ تحالف بيجين الوثيق مع موسكو بعيدٌ كل البُعد عن الحكمة وسيكون له تكاليفٌ حقيقيةٌ ووشيكةٌ على الصين.
ضبابية
ينقسم المقال إلى ثلاثة أقسام، يُحاجج القسم الأول بأنّ الصين ترى في الأزمة الأوكرانية القائمة “أزمةً غير مرغوبٍ فيها” تُعيقها عن بلوغ العديد من الأهداف.
فلو كان الأمر مُمكنًا لعملت بيجين على الحفاظ على علاقاتٍ قويّةٍ مع موسكو وحماية علاقتها مع أوكرانيا وإبقاء الاتحاد الأوروبي في مدارها الاقتصادي وتجنّب انتشار العقوبات الغربية من موسكو نحوها، والعمل في ذات الوقت على منع تدهور علاقاتها مع واشنطن بشكلٍ كبير.
قد يكون بإمكانها تحقيق بعض هذه الأهداف، إلاّ أنّ تحقيقها جميعًا يُعدُّ أمرًا غير ممكنٍ، لاسيما مع وجود أزمةٍ حادّةٍ كالأزمة الأوكرانية الراهنة.
تُعتبر أوكرانيا شريكًا تجاريًا مهمًّا للصين وبوابّةً حيويّةً لها نحو أوروبا وشريكًا بارزًا في مبادرة الحزام والطريق ذات المسعى الجيوبوليتيكي الرائد بالنسبة لشِي.
في مقابل ذلك، لا ترغب بيجين أن تدعم علنًا الاستيلاء الروسي على الأراضي نظرًا لمخاوفها العميقة من استخدام الآخرين لذات المنطق من أجل تقويض السيادة الإقليمية الصينية.
فإذا كانت بيجين تسمح لنفسها بتبنّي نزعةٍ تعديليةٍ في جوارها، فإنّها تُعارض تبنّي قوى أخرى لذلك بما فيها روسيا، حيث لم تعترف بيجين إلى اليوم بضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم سنة 2014.
علاوةً على ذلك، تُدرك الصين بأنّ أيّ دعمٍ لروسيا بشأن أوكرانيا سيؤدّي إلى تسميم علاقاتها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ويضعها في مواجهتهما ويعيدها إلى أجواء الحرب الباردة التّي تُعارضها بشدّة.
لهذه الأسباب يُرجّح المقال بأنّ شِي لن يمنح بوتين الضوء الأخضر لغزو أوكرانيا، وهي الأسباب التّي تجعل الصين أيضًا تتمسّك بالحلول الدبلوماسية للخروج من الأزمة.
وقد أعربت عن دعمها لاتفاقية مينسك وما تلاها، كما كرّرت دعمها “لسيادة أيّ بلدٍ واستقلاله وسلامة أراضيه” وبأنّ “أوكرانيا ليست استثناءً في ذلك”.
مخاوف
في القسم الثاني من المقال يرى الكاتبان بأنّ الأزمة الأوكرانية ستتسبّب في تحوّلِ موقف بيجين إلى موقفٍ غير متماسكٍ بين الدعوة إلى الحلّ الدبلوماسي من جهة، ومدّ موسكو “بشريان الحياة” من جهةٍ أخرى عبر شراء مزيدٍ من الطاقة الروسية والمساهمة في تقليص حدّة العقوبات الغربية المفروضة عليها.
يرى الكاتبان بأنّ الصين رسّخت نفسها، عن قصد أو بدون قصد، ضمن النزعة التعديلية الروسية من خلال مواقفها المتناغمة مع موسكو في الوقوف ضدّ محاولات الناتو والقوى الخارجية التّي تحاول “تقويض الأمن والاستقرار في المناطق المجاورة المشتركة لهما”.
ويُحاجج الكاتبان بأنّ مخاوف روسيا بشأن توسّع الناتو في شرق أوروبا ومخاوف الصين من النشاط الأمريكي في آسيا قد يكونان سببًا في منح “شِي” شعورًا مؤقّتًا بالصداقة مع بوتين.
إلاّ أنّ ذلك سيكون على حساب العلاقات الصينية مع الغرب، فقد صار الناتو ينظر إليهما “كقوتين تعملان معًا”. وسيتسبّب دعم شِي لبوتين في تأجيج مخاوف جيران الصين الآسيويّين منها واصطفافهم إلى جانب الولايات المتحدة ضدّها.
وهو ما بدا مُؤخّرًا في تصريحات مسؤولين آسيويّين في اليابان وأستراليا، الذّين أعربوا عن مخاوفهم من أنّ التسامح مع الغزو الروسي واستخدام القوة قد يُشجّع الصين على التصعيد ضدّ تايوان وفي الجوار.
معضلة
يتساءل القسم الأخير عن السبب الذّي جعل الصين تقف وراء روسيا في الأزمة الأوكرانية، خاصّةً وأنّها تُدرك التبعات السلبية لذلك على علاقتها مع الغرب والدول المحيطة بها.
يُقدّم المقال جملةً من الافتراضات منها مثلاً: اعتقاد شِي -عن صدق- أنّ بوتين لن يغزو أوكرانيا وبالتالي فلن يحمل دعم الصين الخطابي له أيّ تكاليف عليها.
أو أنّ الغزو إذا حدث فسيضّر بروسيا وأوروبا والولايات المتحدة أكثر ممّا سيضّر الصين، أو أنّ انشغال الغرب بروسيا والأزمة الأوكرانية سوف يُبعدهم عن آسيا ممّا سيمنح الصين حريّةَ تصرّفٍ أكبر في جوارها.
إلاّ أنّ المقال يرى بأنّ تفكيرًا كهذا مفرطٌ في التبسيط، ذلك أنّه من الصعب التنبؤ بتداعيات الحرب في أوكرانيا لدرجةٍ لا يمكن معها تبرير الرهان على الصراع.
لذلك، فمن المحتمل أن يكون الدافع الحقيقي للتفكير الصيني بشأن أوكرانيا مرتبطٌ بشيءٍ بعيد المدى وهو “جاذبيةُ تحقيق شراكةٍ أكثر دفئًا مع روسيا”.
حيث يرى شِي في ذلك أفضلَ طريقةٍ للتفاعل مع بيئةٍ أمنيّةٍ قاتمةٍ تتميّز بتدهور العلاقات مع واشنطن. تضع الصين في الحسبان بأنّها ستتلّقى دعمًا من روسيا لمواجهة جهود الولايات المتحدة الهادفة لاحتوائها.
خاصّةً مع تطلّعات بيجين الإقليمية، فهي بحاجةٍ إلى قوةٍ كبرى كروسيا تمدّها “بشريان الحياة” حينما تتعرّض لضغوطاتٍ وعقوباتٍ غربية أو في حالة نشوب حربٍ أمريكية-صينيةٍ حول تايوان.
هكذا يرى الكاتبان بأنّ تحالف الصين المتنامي مع روسيا يُمثّل نوعًا من المعضلة الجدليّة بالنسبة للصين، ففيما تتنافس الأخيرة مع الغرب على النظام العالمي، تصير روسيا شريكًا أمنيًا أكثر جاذبيةً بالنسبة لها.