انتصارات تلو الأخرى تحققها قضية الصحراء الغربية في عدد من الملفات، وانتكاسات متتالية تحصدها الدبلوماسية المغربية، آخرها قرار المحكمة الأوروبية ببطلان اتفاقيتي الثروة السمكية والزراعة مع الاتحاد الأوروبي.
حققت القضية الصحراوية انتصارا جديدا بإبطال محكمة الاتحاد الأوروبي اتفاقين بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المغربية موسعين إلى الصحراء الغربية.
وألغي الاتفاق لأنه لم يستشر الشعب الصحراوي حول التصرف في ثرواته، ولم توافق الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب،”البوليزاريو” على الاتفاق على اعتبار أنها الممثل الشرعي والوحيد للصحراء الغربية المحتلة.
نهب مقابل العرش
توجيه أنظار الرأي العام الداخلي في المغرب إلى قضية خارجية وخلق عدو وهمي أمر لا مفر منه للمخزن بالنظر إلى الاحتقان الداخلي ومحاولات الجيش الملكي الانقلاب عل الملك ثلاث مرات ستينات وسبعينات القرن الماضي.
لم يجد ملك المغرب آنذاك أفضل من العدوان على دولة أنهكها الاحتلال الاسباني، وخرجت للتو من نيره، ونظم ما أسماه “المسيرة الخضراء” العام 1975. وكانت الصحراء الغربية كبش فداء يلملم به المخزن جسد مملكته المتصدع.
وحتى يضمن المغرب سكوت شركائه عن تجاوزاته في حق دولة نالت استقلالها واحتلها، راح يبرم اتفاقيات أثبتت عدم شرعيتها، تتيح للرباط تصدير منتجات من الأراضي الصحراوية المحتلة إلى الاتحاد الأوروبي.
تمسك المغرب بمقترحه القاضي بفرض حكم ذاتي على الصحراء الغربية، كان استمرارا لنهب ثرواتها، خاصة الزراعات التصديرية والفوسفات وصيد الأسماك والسياحة. وضمان بقاء العرش.
آخر المستعمرات
الصحراء الغربية آخر أرض أفريقية تعاني نير الاحتلال، لم يُسوّ وضعها إلى اليوم، رغم مرور عقود عن موجة الاستقلال عن المستعمر السابق في كل العالم.
يسيطر المغرب حاليا على أكثر من 80 % من مساحة الصحراء الغربية المطلة على المحيط الأطلسي، وتسيطر جبهة بوليساريو على أقل من 20 % شرقاً، ويفصل بينهما جدار العار، ومنطقة عازلة تشرف عليها قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
وتتلقى الصحراء الغربية دعما دوليا في نضالها ضد الاحتلال المغربي، وفي مقدمتها الجزائر التي تقدم دعما غير مشروط للقضية الصحراوية، في إطار مبادئ دعم القضايا العادلة في العالم.
وجهات نظر
يبرر المغرب احتلاله للصحراء الغربية بما يسميه “الحق التاريخي”، بما يوحي أن المنطقة ومناطق أخرى كانت تابعة له في زمن ما، لكن المفارقة أنه لم يقم بأية حرب ضد أي من المحتلين الفرنسي والاسباني لتحرير ما يزعم أنها أراضيه.
وقّع اتفاقية فرض الحماية الفرنسية العام 1912، مقابل بقاء الملكية، فيما يعرف بـ”الأرض مقابل العرش”.
ومنذ منحته فرنسا الاستقلال العام 1956، لم يخض المغرب حربا لتحرير أراضيه المزعومة.
وناضلت “البوليزاريو”، ضد الاحتلال الاسباني إلى أن نالت الاستقلال، ثم وجدت نفسها في مواجهة محتل جديد.
وترى أنها صاحب الأرض التي حررتها بالدم من المحتل الاسباني، وأن من حقها إقامة دولة مستقلة تفرض سيادتها على أرضها. وتلقت في ذلك دعما من الجزائر وليبيا.
وهي على هذا الأساس تعتبر آخر مستعمرة في القارة الأفريقية..
مفاوضات واشتباكات
منذ تنفيذ ما يسمى “المسيرة الخضراء”، التي احتلت إثرها الصحراء الغربية، حدثت مواجهات عسكرية بين البوليزاريو والمغرب، انتهت باتفاق وقف إطلاق النار العام 1991، فرضته الأمم المتحدة، وتسهر عليه قوات حفظ السلام.
ومنذ الثمانينات جرت مفاوضات بين الطرفين بحضور مراقبين، علقت في ماي 2019، بعد استقالة المبعوث الأممي هورست كولر لأسباب صحية.
وكان من المقرر أن يجرى استفتاء حول تقرير المصير بداية تسعينات القرن الماضي، لكن الخلاف حول من يحق له المشاركة فيه عطله إلى اليوم.
الكركرات
تجددت المناوشات العسكرية بين جبهة البوليزاريو والجيش المغربي، في منطقة الكركرات العازلة، شهر نوفمبر 2020، وكانت بمثابة إنذار لتفجر الوضع وبداية جولة جديدة من عدم الاستقرار.
وتسبب إطلاق المغرب عملية عسكرية لفتح المعبر المؤدي إلى موريتانيا، في إعلان جبهة البوليزاريو انهاء وقف أطلاق النار، الذي دام نحو 30 عاما.
وزاد اعتراف الرئيس السابق للولايات المتحدة دونالد ترامب الأمور تعقيدا، عندما ظن المغرب أن له اليد الطولى على الصحراء الغربية، قبل أن يخيب أمله بإلغاء الإدارة الجديدة قرار ترامب.
أزمات دبلوماسية
تسبب المواقف الإيجابية لبعض الدول الأوروبية، خاصة ألمانيا وإسبانيا، لصالح جبهة البوليزاريو، في تأزيم العلاقة بينها وبين المغرب، حيث سحب المغرب سفيرته من ألمانيا، وأغرق إسبانيا بالمهاجرين غير الشرعيين، بسبب رفضها اعتراف ترامب بسيادته على الصحراء الغربية.
ورافع رئيس الحكومة الاسبانية بيدرو سانشيز، الجمعة، لصالح حل عادل ومقبول للقضية الصحراوية، في إشارة إلى تمسك بلاده بموقفها الداعم للصحراء الغربية ضد المغرب.
وتأزمت العلاقات بين المغرب وإسبانيا، بعد استقبال الأخيرة الرئيس الصحراوي إبراهيم غالي، بغرض العلاج، ثم إصدار المحكمة العليا الاسبانية قرارا يقضي ببطلان اتهامات المغرب في حق الرئيس الصحراوي بارتكاب جرائم حرب.
وردت المغرب بإغراق مدينة سبتة الاسبانية بـ 8000 آلاف مهاجر غير شرعي، واعتبرت إسبانيا ذلك فعل حرب وجب الرد عليه.
ولأول مرة منذ 15 عاما، أنزلت إسبانيا عسكريين إلى المدينيتن المتنازل عنهما، وسلمت أمر حماية الحدود الجنوبية للوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل، ما يعني أن أي اعتداء عليها يعتبر اعتداء على الاتحاد الأوروبي ككل.
خسارة..
بإصدار المحكمة الأوروبية القرار المذكور أعلاه يكون المغرب قد خسر معركة أخرى في الحرب غير المتكافئة، التي يشنها على الجمهورية الصحراوية منذ اكثر من أربعة عقود.
العدوان المغربي على الصحراء الغربية، وتأزيم علاقاته مع إسبانيا وألمانيا، والتجاوزات غير المقبولة ضد الجزائر، جعلته يخسر كل رهان لكسب تأييد مقترحه حول الحكم الذاتي في الصحراء الغربية.
وكان قرار الخارجية الأمريكية بإلغاء “قرار ترامب تغريدة تويتر” حول الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، بمثابة صفعة للمغرب.
وكانت خسارته مضاعفة إذ ألّب عليه الرأي العام الداخلي، عندما قايض القضية الفلسطينية بكل رمزيتها باعتراف غير مؤسس.
سيناريو
بالنظر إلى تغير الموازين الدولية، وظهور أقطاب جديدة في عالم بدأ يخرج من الأحادية القطبية، قد تجد جبهة البوليزاريو فضاءات جديدة لقضيتها فتحصل على مزيد من الدعم والدفع نحو الحل وإنهاء الاحتلال.
ويظهر أن القطبين الجديدين روسيا والصين يعملان على استمالة أكبر قدر ممكن من الدول إلى صفهما، وهذا الدفع سيعطي انطباعا أن الأقطاب الجديدة تعمل على إيجاد عالم أكثر عدلا، وأقل تطرفا من ذلك الذي فرضته الأحادية القطبية.
من جهة أخرى، فقد المغرب الدعم الأوروبي الذي طالما وفرته له فرنسا وإسبانيا أمام باقي الدول الأوروبية، عندما زج بمواطنيه في عمليات هجرة غير شرعية تحاربها كل الدول.
وبهذا يكون أعطى صورة مقنعة عن استحالة التزامه بوعوده حول حماية حقوق الانسان في الصحراء الغربية تحت “الحكم الذاتي”.
يضاف إلى ذلك القرارات القضائية الدولية ببطلان الاتفاقات الاقتصادية التي يبرمها المغرب مع شركائه، حول استغلال موارد الشعب الصحراوي وثرواته دون موافقته..