وسط الأزمة السياسية التي تواجهها تونس، يحاول حزب حركة النهضة بقيادة راشد الغنوشي الإمساك بخيوط اللعبة داخل المشهد التونسي، ويقترح لذلك تقديم تنازلات للرئيس، قيس سعيّد المتشبت بإجراءاته..
دخلت تونس في أزمة سياسية بعد قرارات الرئيس سعيّد في 25 جويلية 2021 ، التي تضمنت تجميد مجلس النواب (البرلمان)، وإعفاء رئيس الحكومة، هشام المشيشي من منصبه، ورفع حصانات النواب، وهي الإجراءات التي تباينت مواقف التونسيين بشأنها.
النهضة تخفف لهجتها
اتهمت حركة النهضة في البداية على لسان رئيسها الغنوشي، الرئيس سعيّد“بالانقلاب على الثورة والدستور”، وتعهدت بأن يدافع أنصار الحركة عن الثورة.
وبعد مرور ثلاثة أيام على صدور قرارات الرئيس، خففت النهضة بعض الشيء من حدة لهجتها، وتحدث الغنوشي نفسه عن استعداد حركته لتقديم “تنازلات من أجل إعادة الديمقراطية” إلى تونس.
وصرح لوكالة الأنباء الفرنسية قائلا: “مستعدون لأي تنازل إذا كانت هناك عودة للديمقراطية، الدستور أهم من تمسكنا بالسلطة”.
ودعا في تصريح آخر إلى تحويل إجراءات الرئيس إلى فرصة للإصلاح، وأن تكون مرحلة من مراحل التحول الديمقراطي.
وفي مقال كتبه في 31 جويلية الماضي ونشرته مواقع تونسية، قال رئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان التونسي في نفس الوقت: ” لقد تنازلنا على الحكم في أزمة 2013 للحفاظ على مسار كتابة الدستور وللحفاظ على سلم بلادنا ووحدة مجتمعه، ونحن في هذه الأزمة مستعدون لتقديم التضحيات الضرورية للحفاظ على الديمقراطية وللحفاظ على استقرار بلادنا وشعبنا..”
وفي سياق مساعي التهدئة مع الرئاسة، شكل مجلس شورى حركة النهضة قبل أيام خلية أزمة تحت إشراف رئيسها الغنوشي لإعداد خارطة طريق للمرحلة الجديدة، والتفاوض مع مختلف الأطراف.
و عادت حركة النهضة إلى الحياة السياسية في تونس إثر ثورة 2011، وكانت جزءا من كل البرلمانات ومعظم الحكومات منذ ذلك الوقت، وانتقل تمثيلها البرلماني من 89 نائبا في العام 2011 إلى 53 (من أصل 217) في الانتخابات التشريعية في العام 2019.
ودعمت الحركة قيس سعيّد“ في جولة الإعادة لانتخابات الرئاسة التونسية التي جرت في سبتمبر 2019، بعد فشل مرشحها عبد الفتاح مورو في الوصول إلى الدور الثاني من الانتخابات.
ويذكر أن عبد الفتاح مورو ـ الذي كان يشغل منصب نائب رئيس النهضة ــ اختار الانسحاب من الحركة واعتزال العمل السياسي في ماي 2020.
غير أن الخلافات انفجرت لاحقا بين الرئيس والنهضة، وتحولت إلى صراع سياسي تسبب في انسداد الأوضاع في تونس.
امتحان صعب
يرى مراقبون أن الأزمة الراهنة في تونس تشكل امتحانا صعبا لحركة النهضة ولموقعها داخل المشهد السياسي التونسي.
ويقول أستاذ التاريخ المعاصر والمحلل السياسي عبد اللطيف الحنّاشي لوكالة الأنباء الفرنسية “إن النهضة لن تكون كما كانت منذ العام 2011. هذا أكيد. ستكون أضعف”.
وبرر الحنّاشي موقفه بما اعتبره حدة “الزلزال الداخلي” بين من يدعم بقاء الغنوشي وتنامي شق آخر يدعوه لرحيله.
ومن جهته، يؤكد الباحث في العلوم السياسية محمد الصحبي الخلفاوي أن “ما حدث مع الرئيس أظهر النهضة في حالة ضعف كبير، لم تعد ممسكة بخطوط اللعبة السياسية عكس ما كانت عليه في الماضي”.
ورجح الخلفاوي تحجيم الدور السياسي لحركة النهضة، ويضيف “لكن إقصاءها تماما من المشهد صعب”، لأن “لديها من الانغراس والعمق الشعبي ما يسمح لها بمواصلة تواجدها”.
وتحدثت قيادات في النهضة عقب القرارات الرئاسية عن ضرورة أن تعيد الحركة النظر في خياراتها.
وفي حوار مع إذاعة “صبرة أف أم” التونسية، قال القيادي علي العريض إن حركة النهضة تحتاج إلى ” تجديد هيكلي ومراجعات ونقد ذاتي ويجب أن يكون ذلك بجهد وقرار جماعي.”
وأضاف العريض أنه “ليس من البطولة في شيء الحديث عن “وجوه مستهلكة” زمن الشدائد، وفي هذا التعبير نوع من الاحتقار لأشخاص أفنوا حياتهم في العطاء والنضال والصبر والتضحية وتحمل المسؤولية عندما تهرب منها الجميع..”
ودعا إلى ضرورة “التجديد والتشبيب واختيار الأقدر على التواصل والأنسب لكل مهمة.”
وأثير موضوع الخيارات خلال انعقاد الدورة 52 لمجلس شورى الحركة في الخامس من الشهر الجاري، إذ أكدت النهضة بيان على “ضرورة القيام بنقد ذاتي معمق لسياساتها خلال المرحلة الماضية والقيام بالمراجعات الضرورية والتجديد في برامجها وإطاراتها
وتحدثت عن ضرورة “إعادة النظر في خياراتها وتموقعها بما يتناسب مع الرسائل التي عبر عنها الشارع التونسي وتتطلبها التطورات في البلاد”.