تتسابق القوى الدولية على تعزيز روابطها وعلاقاتها مع ليبيا، ولا تتوقف زيارات المسؤولين ورجال الأعمال والمستثمرين من أوروبا ومن بقية دول العالم، إلى العاصمة طرابلس، على أمل الفوز بصفقات في ملف إعادة إعمار ليبيا.
بعد سنوات الاقتتال والصراع التي أججتها التدخلات الخارجية، باتت القوى الدولية تهتم باستقرار ليبيا، وتعمل جاهدة على دفع الليبيين إلى الدخول في عملية سياسية تفضي إلى انتخابات واختيار رئيس البلاد الذي سيقود المرحلة المقبلة.
وتسيل ليبيا لعاب الكثير من دول العالم، بحكوماتها وشركاتها، باعتبارها دولة نفطية هامة، ولأن مشروع إعادة إعمار المدن الليبية التي دمرتها الحرب يعد صفقة جد رابحة للدول، خاصة مع الأزمة الاقتصادية التي سببتها جائحة كورونا.
ولا توجد أرقام رسمية حول فاتورة إعادة إعمار ما تهدم من مدن ليبية، وكان تقرير بريطاني رجح أن تبلغ التكلفة نحو 500 مليار دولار. بينما قال خبراء اقتصاد إن العملية ربما تكلف أكثر من مائة مليار دولار.

وكان رئيس حكومة الوحدة الوطنية الموقتة، عبد الحميد الدبيبة، صرح أنه يريد تخصيص 4.9 مليار دولار من الميزانية الحكومية للمشاريع والتنمية.
وليبيا هي ثاني أكبر منتج للنفط في إفريقيا، لكنها تمتلك أكبر احتياطي مؤكد في القارة والتاسع في العالم ، بنسبة 3٪ من الإجمالي.
تهافت أوروبي وتركي وأمريكي
تتسابق الدول الأوروبية خصوصا المطلة علي البحر الأبيض المتوسط، وعلي رأسها إيطاليا وفرنسا، إلى جانب أمريكا وتركيا وروسيا والصين ودول عربية، من أجل الحصول على صفقات إعادة إعمار ليبيا، وتفعيل عقود الشراكة المجمدة.
وسارع الأوروبيون إلى التحرك من أجل الهيمنة على ملف إعادة الإعمار، وزار وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وإيطاليا طرابلس لاستكشاف فرص الاستثمار.
ومع وقف إطلاق النار في ليبيا وتوصل الفرقاء إلى تفاقهمات سياسية، سعت فرنسا ـ التي دعمت المشير خليفة حفترـ إلى تصحيح صورتها لدى الليبيين، وتبين أن ما يزعج الرئيس إيمانويل ماكرون هو التواجد التركي في ليبيا، عسكريا واقتصاديا وسياسيا، ولذلك دعا في أكثر من مناسبة إلى انسحاب القوات التركية من هذا البلد.
وكشف تقارير إخبارية عن سعي “حركة الأعمال الفرنسية” المعروفة اختصارا بـ “ميديف” للحصول على عقود بمبالغ كبيرة في سوق إعادة الإعمار الليبي. وتحدث عن مجموعات اقتصادية فرنسية كبرى، أبرزها “فينشي” و”توتال” و”دينوس” و”سانوفي”..
وبدورها إيطاليا التي تجمعها شراكة قوية مع ليبيا، لم تخف طموحاتها في الحصول على الصفقات الليبية، وكان وزير خارجيتها، لويجي دي مايو، أكثر وضوحا عندما أعلن في تصريح له أن بلاده بقيت إلى جانب ليبيا حتى في أسوأ اللحظات، وهي الآن تريد أن تكون بطلا في عملية إعادة الإعمار.
ويرى المحلل السياسي الليبي، عبد العظيم البشتي في حديث سابق إلى صحيفة “الشرق الأوسط” أن دول أوروبا، وخصوصا المطلة على البحر الأبيض المتوسط، معنية أكثر من غيرها بتحقيق الأمن والاستقرار في ليبيا لعدة عوامل.
وأكد المحلل أن “هذه الدول شريك اقتصادي مهم مع ليبيا، وهي من دون شك تطمح إلى تطوير مستوى التبادل التجاري معها، ومدها بالغذاء والدواء، وغيرها من الاحتياجات. وبالطبع فإن العنصر الأهم هو استيراد النفط والغاز من ليبيا”.
وأعلنت دول أخرى رغبتها في المشاركة في إعادة إعمار ليبيا، وتتنافس الشركات البريطانية والأمريكية والروسية والصينية وغيرها من أجل الفوز بصفقات.
وتعتبر تركيا أكبر منافس للدول الأوروبية في سباق الحصول على عقود إعادة الاعمار، و يتوقع أن تستفيد، من الأسواق المهمة، مقابل الخدمات التي قدمتها لليبيين.
وخلال زيارة قام بها رئيس حكومة الوحدة الليبية، عبد الحميد الدبيبة في 12 أفريل الماضي إلى أنقرة ، أبرمت تركيا وليبيا اتفاقيات في مجالات مختلفة.
و سبق أن فازت تركيا بعقود بناء في إطار مشروع ” ليبيا الغد”، تمركزت في طرابلس ثم مدن الغرب الليبي القريبة من تونس.
دول عربية تدخل سباق التنافس
من جانبها سارعت حكومات عربية إلى دخول سباق التنافس من أجل الفوز بصفقات إعادة إعادة إعمار ليبيا، و جاءت في مقدمتها مصر وتونس. وترى الدولتان أنهما الأولى بأعمار البلد الذي مثل في السابق شريكا اقتصاديا مهما..

وأبدت مصر استعدادها للمشاركة في إعادة إعمار ليبيا، عن طريق الاستثمار في العملية، وإعادة العمال المصريين إلى ليبيا. وسبقت مصر الدول الأخرى بتوقيع عدد من العقود تفتح الطريق لشركاتها للعمل في شرق ليبيا،
وأعلن الطرفان المصري والليبي في مارس الماضي عن اتفاق بين وزارة العمل اللييبة، ونظيرتها وزارة القوى العاملة المصرية، على تسهيل إجراءات دخول العمالة المصرية إلى ليبيا.
ولم تخف تونس التي تواجه أزمة اقتصادية بفعل جائحة كورونا، رغبتها في الاشتراك في عملية إعادة إعمار ليبيا، وكان رئيس البرلمان الليبي (الذي جمده الرئيس قيس سعيد لثلاثين يوما) راشد الغنوشي، صرح في ماي الماضي إن 50% من مشاكل تونس يمكن أن تحل في ليبيا.
وتعمل تونس على استعادة موقعها داخل ليبيا عبر سلسلة من اللقاءات بين مسؤولين ورجال الأعمال للظفر بمشاريع إعادة التهيئة السكنية.
وترغب السلطات الليبية في أن تساهم الجزائر بدورها في إعادة إعمار ليبيا,
وخلال خلال المنتدى الاقتصادي الجزائري الليبي الذي جرى في نهالية ماي الماضي، دعا الوفد الليبي المقاولين الجزائريين للقطاعين العمومي و الخاص إلى المساهمة في انجاز المشاريع السكنية و إعادة إعمار المدن المتضررة في ليبيا.
وكانت دراسة أممية أظهرت أن إحلال السلام في ليبيا، سيؤدي إلى تحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة، في ليبيا وفي دول الجوار.
وجاء في الدراسة الصادرة عن لحنة الأمم المتحدة، الاقتصادية الاجتماعية، لغربي آسيا (الإسكوا)، أنه بحلول عام 2025، ستصل المكاسب الاقتصادية في مصر إلى حوالي 100 مليار دولار، وفي السودان إلى حوالي 22 مليار دولار.
وفي تونس ستصل المكاسب إلى حوالي 10 مليار دولار، وفي الجزائر إلى حوالي 30 مليار دولار.